الدروس الخصوصية بورصة جديدة، ترتفع أسهمها دونما سقف مع موسم الامتحانات، ليحقق المدرسون فيها أرباحاً طائلة، ولا موقع للمبالغة هنا، فالدرس الخصوصي للمادة العلمية تصل قيمة الساعة الواحدة له إلى قرابة 400 درهم، والمادة النظرية 250 درهماً، ولا عزاء لجيوب أولياء الأمور، الذين يعيشون فترة استنزاف وإرهاق مادي كبير، فضلاً عن توترهم ومخاوفهم الأساسية من عدم اجتياز الأبناء الامتحانات بالمعدلات المأمولة.
لكون الدروس الخصوصية أضحت ظاهرة شبه موسمية، ترتبط بشكل رئيس بفترة الامتحانات، فضلاً عن لجوء بعض الأسر -خاصة المقتدرة مادياً- إليها منذ بداية العام الدراسي، لاعتقادها أنها الفيصل في عبور الأبناء للمراحل الدراسية اللاحقة، فهناك مطالب عدة بالتصدي لهذه الظاهرة المرهقة مادياً، والتي تنغص حياة أولياء الأمور بفعل الضغط المادي الذي يتعرضون له بسببها، والذي لا مناص لهم منه، في ضوء احتياج الابن للدرس الخصوصي لمساعدته على تحصيل ما لم يستوعبه من دروس على مدار العام الدراسي.
حول هذه البورصة الضاغطة، قال محمد سلطان الخاصوني الكتبي رئيس لجنة التربية والتعليم والثقافة والعلوم والشباب في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة: الدروس الخصوصية أصبحت ظاهرة منتشرة بشكل يومي، وخصوصاً مع اقتراب موعد الامتحانات، حيث يوجد من المعلمين من يستغل موعد الامتحانات لرفع سعر الدرس الخصوصي، ومنهم من يوفرون مجهودهم داخل الحصص المدرسية، ليجبروا الطلاب على طلبهم لإعطائهم دروساً خصوصية، والتي تثقل كاهل الطالب داخل بيته، لكونها مجهوداً مضاعفاً عليه إضافة إلى دروسه المدرسية، مما يشتت ذهنه، ويؤدي إلى اتكاله عليها بشكل شبه كامل.
وأيضاً فقد أصبحت الدروس الخصوصية تشكل عبئاً وعالة وتكلفة مالية على أولياء الأمور، خصوصاً إذا كان في البيت الواحد أكثر من طالب وفي مراحل دراسية مختلفة، لذا فلابد من تكثيف الرقابة من قبل وزارة التربية والتعليم على المدرسين، وتوفير دروس تقوية للطلاب داخل المدرسة، ومدرسين جيدين خصوصاً في المواد العلمية مثل الفيزياء، والكيمياء، والأحياء والرياضيات، وتوعية أولياء الأمور بخطورة الدروس الخصوصية التي قد يتعرض فيها بعض الأبناء لأفعال غير أخلاقية، وفي ذلك سمعنا عن تحرشات ببعضهم وغيرها، وهنا لابد وبشكل أساسي من رفع رواتب المدرسين في المدارس الخاصة.
ظاهرة مقلقة
وقال سيف محمد بن رويجدة الكتبي عضو المجلس البلدي في إمارة الشارقة وعضو مجلس أولياء أمور المنطقة الوسطى: تظل الدروس الخصوصية ظاهرة ومشكلة وهماً كبيراً يؤرق المنظومة التعليمية ويثقل كاهل الأسرة، فهي تؤدي إلى استنزاف جيوب أولياء الأمور، حيث قد تنفق الأسر مبالغ طائلة وأحياناً خيالية مقابلها، وخاصة للمواد العلمية، كما تتسبب الدروس الخصوصية في تدمير العملية التعليمية والتربوية، وتؤدي إلى خلو المدارس من طلابها لاسيما مع اقتراب موعد الامتحانات.
ولقد انتشرت الدروس الخصوصية في الآونة الأخيرة بشكل كبير جداً، غالباً لهدفين رئيسيين، وهما تحسين مستوى الطلبة الدراسي، وكذلك لتحسين دخل المعلم، ولذلك قامت كثير من الأسر بوضع مدرسين خصوصيين لأبنائهم لمساعدتهم في فهم بعض المواد بشكل كاف للحصول على معدلات عالية تساعدهم على الالتحاق بأفضل الجامعات، رغم كونها ترهق كاهلهم، فإذا كان المعلم في المدرسة يؤدي واجبه بالشكل المطلوب، فعلى الطلبة حضور جميع الحصص والانتباه للشرح جيداً، والاستذكار باجتهاد حيث يؤدي ذلك إلى حصولهم على مبتغاهم.
فيما إذا احتاج الطالب لدرس خصوصي فعلى معلميه في المدرسة إعطاؤه هذه الدروس حيث يعد ذلك حقاً من حقوقه، أما غير ذلك فيؤثر سلبياً في مكانتهم، وأيضاً على الإدارات المدرسية أن تساعد في ذلك من خلال تشكيل مجموعات تقوية لتحسين مستويات الطلبة، ووضع خطط تقوية فردية للطلاب لرفع كفاءة المتأخر دراسياً منهم، بشكل مجاني ومنظم، وعلى الأسر المساعدة في ذلك، لأن تحجيم ظاهرة الدروس الخصوصية يحتاج إلى تغيير ثقافة المجتمع نحوها، فالطالب المجتهد والمثابر والمرتبط بمدرسته ومدرسيه بشكل جيد، والذي يجد متابعة من الأب والأم، لا يحتاج إلى ضياع الوقت والمال في الدروس الخصوصية.
فالأساس هو التميز في طلب العلم مع الاعتماد على الله سبحانه وتعالى والنفس، وليس المدرس الخصوصي.
دروس تقوية
أما مصبح بالعجيد الكتبي العضو السابق في المجلس الوطني الاتحادي فقال: تعيش الأسر حالة استنفار في الأيام التي تسبق فترة امتحانات الطلبة وأثناءها أيضاً، حيث تجتهد بعض الأسر في تلك الفترة ليتحصل الطالب على أعلى الدرجات، رغم عدم مبالاتها بذلك طوال العام الدراسي، حيث يتفهم الجميع أن أهمية التفوق الدراسي والحصول على أعلى الدرجات من الضرورة بمكان، حيث لا فرص لمن يحصل على درجات متدنية، وخاصة طلبة الثانوية العامة، أما من دون ذلك فالجميع يجتهد للحصول على شهادات التميز والتفوق الدراسي.
لكن السؤال المهم هو لماذا نلجأ للدروس الخصوصية أساساً مع العلم أن هناك أسراً لا تتعامل معها، وأبناؤها من المتفوقين دراسياً، الإجابة ترجع إلى اهتمام هذه الأسر بالطالب منذ بداية العام الدراسي، وحثه على التركيز ومتابعة الدروس أولاً بأول، وكذا المراجعة، والتحضير للاختبارات الشهرية وخلافه.
وربما نرجع سبب توجه معظم الأسر للدروس الخصوصية، لانشغال رب الأسرة بالعمل، وكذلك ربة البيت بالعمل، وهذا ما نراه كثيراً، فكيف يكون باستطاعة من في عمله طوال اليوم متابعة الأبناء سواء في التحصيل الدراسي، أو إعداد الواجبات، أو الاستعداد للامتحانات؟
أيضاً ما نراه في وزارة التربية والتعليم من بعض القرارات والتغيرات، ما يجعل المدرس غير قادر على العطاء في ضوء إلزامه بإعداد دورات تدريبية مع زيادة نصابه من الحصص الدراسية، وإلى غير ذلك، مما نسمعه من شكاوى المعلمين، إضافة إلى زيادة مدة الحصص الدراسية، بما يؤثر في الطالب، ويؤدي لضعف إمكانيته في استيعاب هذا الكم من المعلومات، والدروس، والحصص لدرجة ترهقه، لذلك تتجه الأسر للدروس الخصوصية لتعويض الطلاب النقص الحاصل من خلال المدرس سواء كان متعمداً أو غير متعمد.
واقترح أن تتولى وزارة التربية والتعليم تنظيم هذه الدروس في المدارس نفسها، وتكون بعائد أو رسوم رمزية ويقوم بها المدرسون أنفسهم الذين يتولون التدريس في الفترة الصباحية، فربما تكون أكثر جدوى ونظاماً وتوفر مادياً على الأسر، وأيضاً توفر للمدرسين أنفسهم مصدر دخل إضافي بشكل رسمي دون مخالفة، كما نتمنى من الوزارة الانتباه لحاجة الطلبة لدروس التقوية، ونطالب كذلك الأسر بالاهتمام أكثر بمستقبل أبنائهم الطلبة.
ضوابط ومعايير
وقال محمد حمدان بن جرش السويدي عضو مجلس إدارة منتدى الشارقة للتطوير: مع قرب الامتحانات تبدأ الأسر في تأمين الأجواء المناسبة للأبناء لكي يجتازوا الامتحانات بنجاح، ومنهم من يأخذ الدروس الخصوصية كي يتفوق على أقرانه، ولكن المزعج هو لجوء المعلمين الذين يقدمون الدروس الخصوصية إلى زيادة سعر الحصة، بل والمساومة وطرح الامتيازات، وتظهر الفروقات بين المعلمين، وكأن ضوابط تسعيرة الدروس الخصوصية معدومة.
من باب آخر نفتح موضوع هاماً وسؤالاً يطرح نفسه «هل التحصيل العلمي للطالب يقاس بالنجاح في الامتحانات فقط؟» وهل هناك معايير وتصنيف للمؤسسات التعليمية التي تحتضن فلذات أكبادنا، في ضوء أن الزمن المقبل يستوجب ابتكار الوسائل التعليمية والتربوية لخلق جيل واع قادر على البحث والتحصيل، ومتسلح بالمهارات الفكرية والثقافية، مع التركيز على الحفاظ على المعلم المبتكر والارتقاء به وتحفيزه، وتشجيعه، لأنه من دعائم التنمية والنهضة لهذا الوطن الغالي.
الدروس الخصوصية تحتاج إلى وضع ضوابط ومعايير، وهذا ينطبق على التعليم العام والخاص.