أظهرت نتائج امتحانات الثاني عشر، للعام الدراسي الماضي 2015-2016، هيمنة الطالبات على قوائم الأوائل، التي تضمنت 18 طالبة، 10 في القسم الأدبي، و8 في «العلمي»، وسجلت قوائم المواطنين تفوق 18 طالبة، مقابل 3 فقط من الذكور.
من هنا، نرصد تراجعاً ملحوظاً في تقدم الذكور، أفرز عن وجود فجوة كبيرة في معدلاتهم مقارنة بالإناث، إذ تنعكس تلك النتائج على مدخلات الجامعات التي تستقبل بدورها مخرجات الثانوية العامة، لاسيما وأن الطالبات حالياً يركزن على التخصصات الحيوية والاستراتيجية مثل «الطب والهندسة وعلوم الفضاء والطاقة والتكنولوجيا». وعلى الرغم من محاولات تقليص الفجوة بين معدلاتهم، إلا أن المؤشرات بحسب آراء خبراء التعليم، تؤكد أن الإناث يتميزن في المواد العلمية على أقرانهن الذكور، فيما ذهب البعض، إلى أبعد من ذلك وقدر أن التفوق الدراسي للإناث يكاد يكون في المواد التعليمية كافة.
يرى أساتذة الجامعات، أن المستوى الاجتماعي والعلمي والمهني للأبوين يقف وراء تفوق الطالبات في الالتحاق بالجامعة، الأمر الذي أسهم في بلوغ نسبتهن ما يقرب من 70 في المئة في الجامعات، ويتمركزن في الكليات الإنسانية، كالتربية والآداب والشريعة، ويركزن حالياً على تخصصات المستقبل التي تحاكي متطلبات سوق العمل.
فيما أثرت المزايا الوظيفية بشكل كبير في توجهات الطلاب واختياراتهم الجامعية، حيث يفضلون الالتحاق بالوظيفة مبكراً من دون الاهتمام بالدراسة الجامعية. وأكد قيادات تربوية وخبراء التعليم، أن تلك الظاهرة تحتاج إلى مزيد من الدراسة المتعمقة، والتحري الدقيق عن دلالاتها ومؤشراتها، لاسيما وأن قانون إلزامية التعليم، قد يسهم إيجابياً في سد تلك الفجوة، في حال التعاطي معها بخطط ممنهجة وخطوات مشهودة.
«الخليج» تناقش مع الخبراء والقيادات التربوية والمتخصصين، من خلال سطور هذا التحقيق، أسباب وجود الفجوة بين الإناث والذكور في التعليم بأنواعه، فضلاً عن الوقوف على سبل القضاء على التباين بينهما في المراحل «الاولى والثانية والمرحلة الثانوية والجامعية» كافة.
البداية كانت مع مروان الصوالح وكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون التعليمية، الذي قال إن النظام التعليمي في الإمارات، يعد ضمن النظم المتطورة القادرة على بناء أجيال تستطيع مواجهة تحديات المستقبل، سواء كانت «اجتماعية أواقتصادية أوسياسية أو تقنية»، وتبحث الجهات المعنية القائمة على الشأن التعليمي في الدولة، دائماً عن سبل توفير المعارف الاختصاصية للطلاب، في المجالات الجديدة التي تؤهلهم للاستجابة لمتطلبات المستقبل.
وأضاف أن التعليم الإلزامي والاهتمام المستمر، بتعليم الجنسين على حد سواء ساهم في تثبيت الأطفال في المدارس، إلا أن الإناث سجلن التزاماً وانضباطاً أكثر من الذكور في التعليم، وبالتالي كان تفوقهن مستحقاً وجديراً، نتيجة عدة عوامل، منها «العامل الاجتماعي» الذي يدفعهن للدراسة والتفوق، لاسيما في ظل الاعتبارات والموازين المجتمعية، فالإناث كما هو معلوم تفرض عليهن قيود اجتماعية كثيرة، لذا لا يوجد أمامهن سوى الانغماس في الدراسة والاجتهاد والسعي للحصول على أعلى الدرجات في المواد التعليمية. وأشار إلى أن التباري والتنافس بين الطالبات يكون واضحاً وجلياً وقوياً في مدارس الإناث، بخلاف مدارس الذكور، معزياً أسباب ذلك إلى التكوين الفسيولوجي للأنثى، وهنا الغيرة والطموح تلعب دوراً مهماً في المثابرة والنجاح، فضلاً عن أن تفوق الإناث على الذكور في التعليم يعود لقوة
انتباههن أثناء المحاضرات والحصص التعليمية، وسرعة بداهتهن في الإجابة والتفاعل مع الدروس، لاسيما مع مواد الرياضيات واللغة الإنجليزية والحاسوب، وقدرتهن على استرجاع المعلومات.
وأوضح أن الجامعات توفر تعليماً يعزز القدرات التحليلية والخلاقة لدى الطلبة، ما يمكنهم من إيجاد حلول منهجية لأي تحديات جديدة في المستقبل، وهذا الأمر أهم من إنشاء عدد كبير من المؤسسات التي تعنى بمجالات اختصاصية، مثل «إدارة الأعمال»، في حين أننا لا نجد سوى عدد قليل من الطلاب الذين يدرسون مواد مثل «الفلسفة أو علوم الفضاء»، فينبغي إيجاد نوع من التوازن بين التخصصات.
مشكلة حقيقية
إن تدني نسب وجود الطلاب في الصفوف الجامعية، لاسيما التخصصات التي يركز عليها سوق العمل المستقبلي، مثل «علوم الفضاء والطاقة والتكنولوجيا والعلوم»، يمثل مشكلة حقيقية، تستحق الدراسة، وتكثيف الجهود للتصدي لها، هذا ما وصل إليه المستشار والخبير التربوي الدكتور عبد الله مصطفى، ومضى قائلاً: إن نسب الطلاب الذكور مقلقة مقارنة بالإناث، فضلاً عن أن مستوى المراحل الأولية والثانوية من الطلاب ليست مرتفعة، بما يكفي لتتلاءم مع الجامعات بشكل يمكنها من رفع مستويات الخريجين.
وأكد أن العوائق التي تواجه التعليم في مراحله كافة، تؤثر سلبا في مستوى التحفيز والدافعية لدى الطلاب، مشيراً إلى أهمية انخراط الطلبة المواطنين، واختلاطهم بالطلبة من الجنسيات الأخرى، ليتمكنوا من المنافسة ورفع مستوياتهم التعليمية، ومحاكاة المخرجات العالمية، ومواكبة المتغيرات والمستجدات في التعليم.
ويري أن تصحيح نسبة الذكور إلى الإناث بين الطلاب المواطنين في التعليم العالي مسألة مهمة جداً، لدى المواطنين الذكور، لاسيما وأن العديد منهم يسعى إلى إيجاد فرص وظائفية مناسبة في المراحل الأولى من أعمارهم، من دون اشتراط الحصول على مؤهلات علمية عالية، مثل الخدمة في المجال العسكري أو الشرطة، حيث يمثل هذا أحد الأسباب لعدم وجودهم في مؤسسات التعليم العالي، وبالعكس، فإن الطالبات المواطنات مبدعات وبشكل رائع في التعليم العالي، وهذا الفرق بدأ يؤدي إلى ظهور مشكلات اقتصادية واجتماعية خطرة، ولكن لا توجد حلول سريعة، فالإجابات والحلول يجب أن تصدر عن المجتمع نفسه.
دافعية منقطعة النظير
أما الدكتور د. وافي الحج ماجد الأستاذ الجامعي، فيرى أن تفوق الإناث على الذكور، ظاهرة لها دلالاتها على الصعد والمستويات كافة، فعندما تتفوق الطالبات في المواد العلمية بفارق ملحوظ، يؤدي ذلك إلى تمكينهن من مجالات الهندسة والطب والعلوم والتقنيات الأخرى، طالما شريحة واسعة من الذكور غير مبالية بمراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، وتلتفت إلى أمور وانشغالات أخرى بعيدة عن التعليم.
وأوضح أن الإناث يقبلن على التعليم بدافعية منقطعة النظير، ويحاولن إثبات وجودهن وجدارتهن بالمشاركة أثناء الحصص المدرسية والمراجعة، والإناث لديهن قدرة على التعبير والتفاعل أكثر من الذكور في النشاط المدرسي، وتفوقهن له دلالة مهمة في المستقبل على صعيد رفع مكانة المرأة في المجتمع، ودخولها بقوة سوق العمل لتقاسم الرجل الأعباء والمسؤوليات، وتؤكد جدارتها في تبوؤ المراكز القيادية العليا، وهي قادرة على الإبداع والتميز طالما أثبتت تفوقها في المجالات كافة.
أسباب الفجوة
أما جمال الشيبة مدير مدرسة عمر بن الخطاب النموذجية بدبي، فأكد ضرورة التوازن بين الجنسين، فلا يعقل تفوق الفتيات في الجانب الأكاديمي، والذكور في الجانب المهني، أي «العمل قبل التعليم»، داعياً إلى نظر الاعتبارات كافة، والأسباب التي تؤدي إلى وجود تلك الفجوة، وفق دراسة ممنهجة، ترصد المعوقات كافة التي تواجه الطلبة الذكور خلال مراحل التعليم المختلفة، فضلاً عن توجهاتهم المهنية مستقبلاً، والعمل على مواءمتها بالواقع التعليمي من الابتدائية وحتى المسار الجامعي.
وأشار إلى أنه بالعودة إلى الموقع الإلكتروني لوزارة التعليم العالي نجد تفوق الإناث عدداً في الكليات كافة، باستثناء كليتي الطب والهندسة وعدد من الكليات العلمية، والحال يختلف بالنسبة للجامعات الخاصة، فالتفوق العددي للذكور جلياً، إذ تصل نسبتهم إلى الثلثين، وأحياناً إلى ثلاثة أرباع، وترجح كفتهم في الكليات كافة، وأكدت دراسة متخصصة حول المرأة والتعليم العالي أن سبب ارتفاع نسبة الإناث في الجامعات الرسمية يرجع إلى حصولهن على علامات أعلى في امتحان الثانوية العامة، ولكن يرى الشيبة أن الأرقام بمجملها بحاجة إلى التوقف ملياً، والبحث بعمق للوصول إلى أسباب تفوق الإناث دراسياً في الثانوية العامة وتراجع تحصيل الذكور، وانحسارهم عن الجامعات الحكومية وامتدادهم بالخاصة، والبحث في أسباب عدم انعكاس التحصيل العلمي على سوق العمل بالمحصلة النهائية.
مستويات اجتماعية
بدورها، ترى أسماء دحبور، مديرة مدرسة الخليج العالمية بالشارقة، أن هناك زيادة كبيرة في عدد الطالبات مقارنة بعدد الطلاب من المواطنين في مختلف المراحل الدراسية، والجامعات الحكومية، والخاصة، وبحسب التقارير الرسمية، فإن كلية العلوم الإنسانية بجامعة الإمارات تسجل العدد الأكبر من حيث الإقبال من قبل الطالبات، وحققت أيضاً تفوقاً آخر على الطلاب في كلية الهندسة، وسجل قسم الهندسة المدنية النسبة الأكبر في استقطاب الطالبات، ثم تخصص الهندسة الكيميائية والمعمارية، وتكرر تفوق عدد الطالبات على الطلبة في كلية تقنية المعلومات والعلوم والقانون، ونجدهن يكتسحن في كلية التربية بالجامعة ذاتها، فلم تسجل كلية التربية دخول أي طالب للدراسة فيها، فضلاً عن تنافسهن على التخصصات الحيوية الجديدة، مثل علوم الفضاء والفلك والطاقة والطيران.
وقالت إن السبب وراء تفوق الطالبات على الذكور في الالتحاق بالجامعة يعود إلى المستويات الاجتماعية المختلفة للطلاب داخل السلم الاجتماعي، وهناك مجموعة عوامل أخرى تؤثر كثيراً في توجه الطلاب إلى الفروع والكليات الأكاديمية، بينها الأوضاع المهنية، والاجتماعية، والمستويان التعليمي والمهني للأبوين، مؤكدة أن الإناث يهيمنّ على الحياة الجامعية بنسبة كبيرة، مقارنة بأعداد الذكور الذين يتمركزون في كليات الطب والهندسة، بينما تتمركز الطالبات في الكليات الإنسانية كالتربية والآداب والشريعة.
وأكدت أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تلعب دوراً بارزاً في السيرة العلمية للطلبة، وللتمايز الاجتماعي بين الطبقات والفئات الاجتماعية تأثير كبير في مستوى نجاح أو إخفاق الطلبة، وأن الجهود المبذولة لتحقيق تكافؤ الفرص التعليمية والتربوية من خلال قانون إلزامية التعليم، قد يسهم في سد الفجوة بين تعليم الذكور والإناث في الدولة مستقبلاً.
مؤشرات ودلالات
وترى المعلمة منى عبد الله محمد، أن جميع مؤشرات ودلالات نسب النجاح أثبتت تفوق الفتيات المقبولات في الجامعات على حساب الذكور، إذ وصلت نسبتهن إلى ما يقرب من 80%، ما يبعث في النفس الارتياح بأن المرأة الإماراتية تسير قدماً في مسيرة التعليم الجامعي، موضحة أن سبب تفوق الفتيات يعود إلى التكوين الأيديولوجي للفتاة، وتمركز فكرها في إثبات ذاتها في المجتمع، بعد أن وجدت الدعم اللازم من الدولة وقيادتها الرشيدة، والتزامها بالتقليد والعادات أكثر من الشباب، من حيث الخروج للتسلية والمرح، والمذاكرة.
وأكدت طالبات أوائل في الثانوية العامة العام الماضي، أن تفوق الإناث على الذكور يعود إلى عوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية، فالعامل الاجتماعي يتمثل في البيئة الاجتماعية التي تعيشها الإناث، بحيث يقضين معظم أوقاتهن في المنزل، وبالتالي لا يجدن أمامهن سوى الدراسة والتمعن بمناهجها، إضافة إلى أن البنات طرأ على ثقافتهن وتفكيرهن تطور كبير، فلم تعد تقبل أن تكون ربّة منزل، بل أصبحت تضاهي الذكور وتطلب المساواة وحق التعليم، مع إدراكهن أن التعليم هو مستقبلهن وخروجهن من المأزق الاجتماعي، وبالتالي عندما يتفوقن ويتعاظمن في التعليم فإنهن يوجهن رسالة للمجتمع.
المساواة بين الجنسين
ركزت تقارير منظمة «اليونيسيف» مؤخراً، على المساواة بين الجنسين في التعليم، والقضاء على التباين بينهما في مراحل التعليم كافة، وتحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم، مع التركيز على ضمان الوصول الكامل والعادل للفتيات إلى التعليم الأساسي الجيد والإبداع فيه.
المعدلات العالمية
كشفت بيانات خاصة بالتعليم مؤخراً، أن الإناث تفوقن على الذكور في جميع الميادين الأكاديمية تقريباً، وتقارب نسب التحاقهما بالمدارس الابتدائية مع المعدلات العالمية، وتقل أعداد الطالبات اللواتي يرسبن في الصفوف عن عدد الأولاد.