التعليم واحد من ضمن المقومات الأساسية، لرفعة البلدان، ونهضة المجتمعات، وبناء أجيال المستقبل، الذين يعول عليهم في مجابهة التحديات ومواكبة المتغيرات، فضلاً عن أن يكون مصدر القوة والتطوير والتنمية في أوطانهم، وحثنا ديننا الحنيف على العلم وتعليم الآخرين، وقال الله- عز وجل- في كتابه الكريم: «قل هل يسْتوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون».
فمنذ أيام قليلة «قامت الدنيا ولم تقعد»، بسبب كتاب التاريخ الذي يحمل عنوان «التكنولوجيا والحروب والاستقلال» المقرر على الصف التاسع، وتضمن محتواه إساءة للشعب الفلسطيني، ووصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، والآن تواجه إدارة مدارس الشويفات، التي قامت بتدريسه بدون موافقة الجهات المعنية، جملة من التحقيقات في 5 دول عربية أو أكثر، ولكن مع الأسف لم نسأل أنفسنا عن «الجاني الحقيقي» وراء تلك القضية التي أثارت الرأي العام العربي.
أكد الخبراء أن أخطاء المناهج الأجنبية معارف «مزيفة» وسموم تغزو العقول، تُدس في المناهج الدراسية، سواء كانت «أساسية أو إثرائية»، لتغريب أفكار أبنائنا، فجعلت «المدارس والجهات المعنية» بالمراجعة والتدقيق والاعتماد «مظاليم في قفص الاتهام»، فعلى الجميع الانتباه، لاسيما أن تلك الأخطاء تمس التاريخ العربي، والأعراف والقيم والتقاليد والهوية الوطنية، فالمغالطات تزوير للحقائق، ومصدرها كما هو واضح جاء من الخارج، فالمؤلف أمريكي والمطابع بريطانية.
وأكد عدد من التربويين، أن مسؤولية «المراقبة والمراجعة والتدقيق»، تقع على عاتق عناصر المجتمع كافة، للتصدي لأي محاولة لغزو عقول أبنائنا، موضحين أن حماية الطلبة، وتقويمهم بالشكل الصحيح، يتطلبان وجود جهة رقابية موحدة لتؤدي تلك المهام، بما فيها الاعتماد، بدقة ومنهجية وجودة عالية.
ومن جهتها تعول وزارة التربية والتعليم على لجان مختصة لمراجعة الكتب واعتماد صلاحيتها، بما يواكب سياسة الدولة ويتماشى مع قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، فضلاً عن فرق الجودة التي تقوم بدور الرقيب على المدارس للتأكد من التزامها بتدريس الكتب المعتمدة، وفي المقابل تستند هيئة المعرفة والتنمية البشرية إلى إلزام المدارس الخاصة في دبي، بضمان عمليات مراجعة محتوى الكتب، للتأكد من توافقها مع المعايير المعتمدة، ووفقاً للتشريعات والإجراءات المتبعة، فضلاً عن حقها في التصرف مع جهة المغالطات الواردة، سواء عن طريق سحب الكتب أو تصحيح الخطأ والإبقاء على الكتب المعتمدة.
وأفاد عدد من مديري مدارس خاصة تدرس المناهج الأجنبية، بأن إجراءات المراجعة والتدقيق والاعتماد تصل في بعض الأحيان إلى 10 شهور، من خلال لجان مختصة تعمل تحت مظلة الوزارة والهيئات والمجالس.
ومن نابع وطني، ومسؤولية مجتمعية، «الخليج» تناقش مع الخبراء والتربويين والمختصين، قضية «أخطاء الكتب الأجنبية»، وما تصدره للأجيال، من مغالطات مسمومة تهدف إلى مغايرة الواقع، وتزيّف الحقائق، وتغيّب أفكار أبنائنا، وجعلت «المدارس والجهات المعنية» مجنياً عليه في قفص الاتهام!
العولمة التربوية
البداية كانت مع الخبير الدكتور عبد الله مصطفى، إذ أكد أن العولمة التربوية هيمنت على الثقافات ومناهج النظم التربوية الأخرى، لإزالة الفوارق والخصوصيات التي تحكم السلوك والقيم وتؤدي إلى اهتزاز المنظومة القيمية، فالأخطاء التي ترد في المناهج سواء كانت مناهج أساسية أو إثرائية، ينبغي الانتباه إليها جيداً، حيث تحتوي على مغالطات تزيّف الحقائق، وتتلاعب في وقائع التاريخ، وأحياناً تصدّر لنا أفكاراً واتجاهات بعيدة تماماً عن قيم وأخلاقيات مجتمعاتنا.
إن المناهج الأجنبية، وإن كانت ضرورة في عصر المعرفة والتكنولوجيا لمواكبة المتغيرات المتسارعة، إلا أنه من الضروري وضع آليات صارمة وجهات عاملة مختصة، للمراجعة والتدقيق والاعتماد، للمحافظة على عقول أجيالنا، لاسيما أن تلك الأخطاء تؤثر سلباً في بناء الشخصية والاتجاهات الفكرية للطلبة، فدخول أطراف خارجية في العملية التعليمية، يلزمنا جميعاً بأدوار وطنية غاية في الأهمية، لمعرفة ما يتم تصديره لنا، حتى لا يتعرض أبناؤنا إلى مناهج وثقافات محرفة، تهدد عقولهم بألوان متعددة للغزو الفكري، وهي مسألة لا تقل أهمية عن حماية أمننا القومي.
ونستطيع أن نلمس آثار هذه المغالطات على بعض الخريجين في بلاد أخرى، لاسيما أن التعليم وفق المناهج الأجنبية، يتلاقى ويتماسّ مع كثير من نقاط واقعنا؛ إذ يتناول التربية، والتنشئة السياسية، والهوية بجوانبها وتشعباتها، ولها ظلالها الإعلامية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ويمس عصب بناء الأجيال، فالتعليم عملية إفراز وتنمية للولاء وحب الوطن، الذي يعدّ أعلى وأوثق أنواع الولاء.
مواءمة السلاسل العالمية
من جانبه أكد مروان الصوالح وكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون الأكاديمية، أن الوزارة تتبع آليات مشددة في عملية المراجعة والتدقيق، على جميع الكتب والمناهج التي تدرس في المدارس الخاصة، لاسيما التي تأتي من الخارج، حرصاً منها على تطبيق السياسة العامة للدولة، والاتجاهات الفكرية والثقافية للطلبة، حيث إنه لا يسمح بتدريس أي كتاب لم يخضع للتدقيق الكامل، والمراجعة الشمولية الدقيقة من لجان مختصة، ويتم حذف أي محتوى يخالف مبادئ وقيم المجتمع، سواء كان منهجاً كاملاً أو مجرد درس بين محتويات المنهج.
وحول آليات مواءمة السلاسل العالمية، أفاد بأنه يوجد 8 آليات، تتمثل في تشكيل لجنة المواءمة للمقارنة بين السلاسل المتوفرة وفق المعايير، وتحديد مهام لجان المواءمة، وتحديد مصفوفة المدى والتتابع التي يتم اختيار الدروس من السلسلة، بناء عليها بما يتوافق والقيم والمبادئ الاجتماعية للدولة، فضلاً عن اللوائح والقوانين المعمول بها في هذا الشأن، بالإضافة إلى مراجعة لجان المواءمة كتب السلسلة المترجمة، وفق المعايير التي حددتها اللجنة، وإرسال نسخة من الكتاب بعد إدخال الشركة التعديلات التي أقرتها اللجنة، ثم مراجعة النسخة النهائية من قبل المحرر اللغوي، وإرسال النسخة النهائية لاعتمادها.
مخاطر كبيرة
ويرى المستشار التربوي صالح فاضل، أن المغالطات التي تأتي في المناهج الأجنبية بأنواعها، تمثل مخاطر كبيرة على الأبناء والأجيال، إذ تحاكي التكوين الفكري والعقلي للطلبة، حيث تأتي ضمن منظومة واسعة لتغريب أفكار الأجيال، وإبعادهم عن القيم وأخلاقيات مجتمعاتهم، فينبغي أن يكون هناك جهة مختصة تعمل وفق معايير موحدة وتكون مسؤولة مسؤولية كاملة عن مراجعة وتدقيق واعتماد أي كتاب يأتي من الخارج، ودراسته بدقة كبيرة، فالواجب هنا وطني لحماية أبنائنا، لاسيما أن مؤلف تلك المغالطات يعلم حقائق الأمور ويحاول دائماً تزييفها، بهدف التضليل والتغريب الفكري، لاسيما مع الطلبة في أعمارهم ومراحل دراستهم المختلفة.
إن الجهات المعنية والمدارس ضحايا لتلك الأخطاء والمغالطات، التي تأتي ضمن محتوى الكتب الأجنبية، فالجهات المنوطة، تركز في عملها على تحقيق أعلى درجات الجودة في المراجعة والتدقيق، لتفادي الأخطاء التي تضر بعقول الطلبة، والسياسة العامة للمجتمع، ويتطلب ذلك وقتاً طويلاً للإنجاز، وهذا يتعارض مع مصالح المدارس الخاصة التي تسعى إلى سرعة إنجاز الإجراءات، لبدء الأعمال وحصد الأرباح على أساس أن المدرسة مشروع استثماري، وهذا بكل تأكيد حق لهم، ولا أحد يجادل في هذا الشأن، وهذا ما يدفع بعض المدارس لتدريس الكتب قبل اعتمادها، مما ينعكس سلباً على الطلبة اجتماعياً وفكرياً وأخلاقياً.
ونماذج الصين واليابان والهند وألمانيا هي تجارب دول عانت مشاكل أكثر عدداً وأضخم من المشكلات التي تعلق عليها بلدان الوطن العربي، ولكنهم ركزوا على الهوية الوطنية وبناء الأجيال بما يتماشى والسياسة العامة لكل دول، وانتبهوا جيداً لكل ما يصدر لهم من الخارج عبر مناهج دراسية أو كتب إثرائية، قد تؤثر سلباً، في الاتجاهات الفكرية للطلبة، لذلك ملكوا الإرادة ليحققوا من خلال تعليم هادف قفزات سريعة تواكب المتغيرات العالمية في فترة محدودة.
صلاحيات المدارس
أما محمد أحمد درويش رئيس النظم والتصاريح في هيئة المعرفة والتنمية البشرية، فأكد أن المدارس الخاصة في دبي، لها صلاحيات ضمان عمليات المراجعة لمحتوى الكتب المدرسية، للتأكد من توافقها مع المعايير المعتمدة، في هذا الصدد، وتتوافق مع التشريعات والإجراءات التي وضعتها الهيئة للتأكد من التزام المدارس بها.
إن فريق الالتزام في الهيئة ينفذ زيارات ميدانية مستمرة، للمدارس للتأكد من التزام المدارس لمتطلبات الهيئة في هذا الشأن، إذ يوقع كل مدير مدرسة على تعهد قبل تجديد الترخيص الأكاديمي، يلتزم من خلاله بتحمل مسؤولية حدوث أية انتهاكات للمناهج، من شأنها الإساءة إلى عادات وتقاليد المجتمع أو تتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي.
مراجعة دقيقة
من جانبها أكدت أسماء دحبور مديرة مدرسة الخليج العالمية بالشارقة، أن الأخطاء التي تأتي في الكتب الأجنبية، تحتاج إلى مراجعة دقيقة من جهات الاختصاص، حيث إن إدارات بعض المدارس غير مؤهلة للقيام بهذا الدور، وتكمن أهمية المراجعة في أهمية حماية الأبناء من أي مغالطات أو تزييف في الحقائق عبر محتوى كتب التاريخ والدين، لاسيما أنها تأتي في شكل إثرائي، وصناعة غربية، قد تجهل الكثير من الأمور المتعلقة بقيم وعادات وتقاليد المجتمع.
وأشارت إلى أهمية حصول المدرسة على الموافقة من الجهات المعنية في وزارة التربية، لتدريس المناهج الدراسية، من خلال عدد من الإجراءات، تتضمن رسالة إلى إدارة المنطقة التعليمية محدداً فيها المنهاج الذي سيتم تدريسه، فضلاً عن تقسيم المواد الدراسية إلى 3 مجموعات: الأولى تتضمن كتب الصفوف من 1-4، والثانية من 5-8، والثالثة من 9-12، ثم ترسل إلى المنطقة ومنها إلى الوزارة، لمراجعتها من قبل فرق متخصصة، وقد يستغرق الأمر أكثر من 10 شهور، ومنعت اللوائح أية مدرسة تدريس مناهجها قبل الحصول على موافقة نهائية من الوزارة.
تداعيات العولمة
أما حميدان ماضي مدير مدرسة سلمان الفارسي، فيرى أن أبرز التحديات التي تواجه المدرسة في ظل تداعيات العولمة، تتمثل في محاولة بعض المؤلفين في الغرب طمس الهوية العربية، وتزييف الحقائق، وتذويبها وتشويه الشخصية العربية، بوصمها بالإرهاب والتطرف، ووصفها بالجمود والتخلف أحياناً، فضلاً عن استهداف قيم ومبادئ وأخلاقيات المجتمع، ودس هذا كله عبر المناهج الأجنبية والكتب الإثرائية، تحت عنوان عريض يحاكي من خلاله العالم، كما هو الحال في كتاب التاريخ «التكنولوجيا والحرب والاستقلال»، الأمر الذي يدعو التربويين كافة، إلى دق نواقيس الخطر والدعوة إلى مؤتمرات تربوية عامة، لمناقشة هذه المغالطات، وتصحيح الأخطاء من خلال تقارير موثقة، تقف في مواجهة تداعيات واقتضاءات هذا الخطر حاضراً ومستقبلاً.
اتجاهات فكرية
من جهتهم أكد أولياء الأمور عبد الله سلطان، ومازن علي، وغدير حسين،، أن الأخطاء التي ترد في الكتب الأجنبية، مخاطر تهدد عقول الأبناء، واتجاهاتهم الفكرية وسلوكياتهم، فنحن نعول على المدارس في تعليم أبنائنا العلوم الصحيحة، كما رصدها لنا التاريخ، معتبرين أن ما احتوى عليه كتاب التاريخ للصف السابع، في مدرسة الشويفات، واتهام الفلسطينيين بالإرهابيين، تجاوزاً جسيماً، تتعرض له عقول وأفكار أبنائنا خلال الدراسة، واصفين الواقعة بالمخالفة الجسيمة التي تستحق وقفة جادة لمواجهة العلوم الزائفة المصدرة إلينا من الخارج، فضلاً عن تشديد الإجراءات على المدارس التي تتبع المناهج الأجنبية لمنع تلك التجاوزات، حفاظاً على الاتجاهات الفكرية والثقافية للأبناء، مطالبين بهيئة مختصة بمراجعة محتوى الكتب الأجنبية وتدقيقها بأساليب حديثة ودقيقة، فضلاً عن إعادة النظر في دخول تلك الكتب والشركات المصدرة لها.
مخاطر الأخطاء
في عام 1863م اقترح المنصر هاملين على صديقه روتشيلد اليهودي إنشاء مدرسة ثانوية بجوار «قلعة الروملي» قائلاً: «لقد أنشأ الأتراك حصناً لفتح إسطنبول، وأنا سأنشئ هنا مدرسة لهدمهم»، هذه العبارة على وجازتها تلخص لنا مخاطر الأخطاء في الكتب الأجنبية التي تفسد العقول.
759 ألفاً و676 من الطلبة بالمدارس الخاصة
بحسب الإحصاءات الحديثة لوزارة التربية الحديثة، بلغ إجمالي الطلبة في المدارس الخاصة بأنواعها على مستوى الدولة، حوالي 759 ألفاً و676 طالباً وطالبة، بواقع (237.290) في بأبوظبي، و(259.595) في دبي، و(172.309) في الشارقة والشرقية، و(46.113) في عجمان، (4.846) في أم القيوين، و(14.369) في الفجيرة، و(25.154) في رأس الخيمة.
لغة شائعة
في أعقاب كل هذه الآراء حول أخطاء المناهج الأجنبية، ينبغي أن ننتبه جيداً، فغزو العقول بات لغة شائعة، تحاصر الجميع من الاتجاهات كافة، والعدو موجود، ولكنه غير معلوم أو مرئي لنا، نجده يدلس الحقائق، ويغالط في وقائع التاريخ، بما يجعل الظالم «مظلوماً»، ويحول الحق إلى باطل، ويجعل البريء «إرهابياً»، ويمارس أساليب عدة بهدف التضليل الثقافي والمعرفي لأبنائنا، لاسيما أن لدينا أكثر من 19 منهاجاً دراسياً في مدارسنا.