أيام قليلة وينطلق سباق امتحانات نهاية الفصل الأول للعام الدراسي الجاري، للصفوف من 1-12، ففي الوقت الذي يستنفر الميدان التربوي لضبط إيقاع العملية الامتحانية، نجد دائماً شريحة من الطلبة، تركز على ابتكار وسائل جديدة للغش.
وعلى الرغم من أن «الغش» بأنواعه سواء كان بالطرق التقليدية أو الوسائل الذكية، أمر مرفوض ولا يليق بقدسية العملية التعليمية، وأهدافها السامية التي تركز على بناء أجيال متسلحة بالعلم والمعرفة، يفاجئنا البعض مع كل خطوة تقودنا نحو قياس مستويات أبنائنا العلمية في المدارس، ببدع جديدة تشجع الطلبة على الاستناد إلى الغش كوسيلة لتحقيق النجاح «الزائف» والتميز «غير المبرر».
النماذج الواقعية كثيرة، ففي تصرف غير مسؤول تم تسريب امتحانات منتصف الفصل الأول في مواد «الفيزياء واللغة العربية والرياضيات»، الأمر الذي أثر سلباً في سير العملية الامتحانية، والحالة النفسية للطلبة، خصوصاً المجتهدين والمتفوقين الذين يعتمدون على أنفسهم في حصاد العلم والمعرفة.
وفي مشهد آخر تخلى معلمون ومشرفون عن مبادئ الأمانة والصدق العام الماضي، ليتورطوا في الكشف عن سرية امتحانات الثانوية العامة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتسريب أجوبة الامتحانات عبر تطبيق الواتس آب للطلبة، وعاقبتهم محكمة جنايات الشارقة بدفع غرامة مالية بقيمة 10 آلاف درهم.
وأكد تربويون ومتخصصون، أن الغش بأنواعه يمثل انتهاكاً لحرمة الامتحانات وإهداراً لجهود الطلبة، لاسيما المتميزين، فضلاً عن أنه يمثل نوعاً خطراً من التشويش وعدم دقة تقييم المستويات العلمية للطلبة، الأمر الذي يعوق مهمة المتخصصين في الوقوف على مواطن القوة ومواضع الضعف لدى المتعلمين.
من جهتها تركز وزارة التربية والتعليم جهودها على الوقوف لتلك السلوكيات بالمرصاد، للتصدي لها واحتواء مساراتها وآثارها، والمحافظة على سير العملية الامتحانية، وتحقيق الانضباط داخل اللجان، وإجهاض محاولات الغش بأنواعها كافة، بين الطلاب سواء كانت تقليدية أو ذكية، من خلال إجراءاتها المتجددة وضوابطها الحاسمة، فماذا فعلت العام الدراسي الجاري؟
«الخليج» تقف من خلال تفاصيل هذا التحقيق على الآثار السلبية التي تضر بالطلبة بسبب الغش، فضلاً عن تجسيد صورة واقعية لاستعدادات أطراف العملية كافة لسباق امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول، وإلى أي مدى سيؤدي تضافر الجهود إل ى إجهاض تلك الظاهرة.
البداية كانت مع الطلبة الذين يعدون «أبطال تلك القضية»، أوضحايا الظاهرة بمعنى أدق، حيث أكد كل من محمد عبد القادر وشيماء محمد وعلى عبد الله وميثاء حسين، أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً بارزاً في تفشي تلك الظاهرة، بسبب تداولها لبعض الامتحانات بداية العام، موضحين أن تلك السلوكيات تؤثر سلباً في تركيزهم وتحصيلهم الدراسي، وتبدد طاقاتهم وجهودهم في المذاكرة، وتقلل فرصتهم في تحقيق معدلات جيدة، التي تذهب مع مسربي الامتحانات والطلبة الذين يعتمدون على الغش، والوسائل غير المشروعة، مؤكدين أهمية عقاب تلك الفئة بصرامة، لاسيما أنها تجتهد في ابتكار وسائل جديدة لنشر ثقافة دخيلة علينا وعلى مجتمعنا.
وفي سرده لجهود زملائه من الطلبة لتوظيف الوسائل الذكية في الغش، أكد طالب الدراسة المنزلية «م.ح»، أن هناك مجموعة من الطلبة تعجز عن الانتهاء من مذاكرة الكتاب المدرسي كاملاً قبل الامتحان، ومن ثم يركزون على استذكار الأجزاء المهمة في الكتاب، ويعتمدون على الغش في بقية الأجزاء، مستخدمين وسائل مبتكرة وفق مع يشهده التعليم من تطور، وذكر أنهم يجتهدون في ابتكار تلك الوسائل بفضل الأجهزة الذكية التي سهلت عليهم أموراً كثيرة من حيث التواصل والبحث، التي قد يعجز المراقبون عن اكتشافها، مؤكداً استفادتهم من الغش في معظم الامتحانات.
أما الطالب النظامي «ح.م.ن»، روى واقعة غش بالموبايل لزميله بلجنة الامتحان، حيث شك المراقب في حركة شفاهه ومن خلال مروره بجانبه استمع إلى ما يقوله، واكتشف وجود سماعة في أذنه وهو ما استدعى تحويله للجنة خاصة داخل المدرسة، مؤكداً أن معظم الطلبة النظاميين يخشون من الإقبال على الغش خوفاً من الإجراءات التي تتخذ في حالته والتي قد تحرمه من دخول الامتحان وتهدد نجاحه.
جهود تذهب هباء
وفي لقائهم أكد أولياء الأمور «شهد عبد الله وعلي محمد وعلياء المرسي وعنود علي وحمدان آل علي»، أن الغش وما يحيط به من وسائل سواء كانت ذكية أو عبر مواقع التواصل، يمثل خطراً كبيراً على دافعية الطلبة نحو التعليم، وتحقيق معدلات متميزة، إذ ينظر بعض الطلبة إلى زملائهم الذين يحصدون أعلى الدرجات بدون أي مجهود، مؤكدين أهمية تضافر الجهود لمحاربة تلك الظاهرة والمحافظة على مكتسبات الأبناء العلمية والوقوف على مستوياتهم الواقعية. وأضافوا: ليس من العدل أن يذاكر أبناؤنا ويجتهدون، وتذهب جهودهم هباء أمام تلك الممارسات غير اللائقة، لاسيما أن الغش حرام شرعاً، ويضيع معه حق أبنائنا الذين يبذلون جهداً في الاستذكار لاعتمادهم على جهدهم الشخصي، مطالبين بمعالجة عاجلة لتلك الظاهرة الدخيلة، لاسيما أنها تمس مستقبل أجيال الإمارات، وتهدد استقرار العملية التعليمية، وتعوق إجراءات التقييم المعتمدة لقياس تحصيل الطلبة.
التربية تقف بالمرصاد
أما وزارة التربية والتعليم، فإنها تقف بالمرصاد للتصدي لتلك الظاهرة، حيث استحدثت إجراءات وضوابط ورصدت محظورات وعقوبات لحماية العملية الامتحانية سواء من الغش بالوسائل الذكية أو التسريب، وفقاً لتعميمات حصلت»الخليج»على نسخة منها، إذ رصدت 34 مهمة ومسؤولية لمديري النطاق والعمليات المدرسية والمناطق التعليمية، ومديري المدارس، وإدارة التقويم والامتحانات، بواقع 18 مهمة للأعمال التنظمية والإدارية للاستعداد للامتحانات، و16 مهمة لإجراءات تطبيق الامتحان.
وفي خطوة جادة لإجهاض تلك السلوكيات التي لا تليق بقدسية العملية التعليمية، قررت أن يكون امتحان اللغة الإنجليزية للصفوف 7و9و10 إلكترونياً في 196 مدرسة، الأمر الذي يحقق الدقة في التقييم والوقوف على المستويات الحقيقية للطلبة، مما يسهم في سهولة تنمية نقاط القوة ومعالجة مواطن الضعف لديهم، وحصر الموانع من العمل في لجان الامتحانات، واستحداث وثيقة تعهد من قبل مدير المدرسة أو المكلف بأعمال الامتحانات وإرسالها لمدير النطاق، حيث تضمنت الموانع عدم وجود صلة قرابة من الدرجتين الأولى والثانية بين الطلبة والمعلمين والمشرفين، وعدم الإفصاح عن بيانات أو إحصائيات قبل اعتمادها رسمياً، والتأكد من أعداد الطلبة والطالبات الذين سيتقدمون إلى لجان الامتحان في كل مدرسة سواء من التعليم الخاص أو تعليم الكبار أو المنازل.
وتوفير الخدمات اللازمة للطلبة والطالبات «فئة الطلبة ذوي الإعاقة» حسب الخطة المعتمدة لهم، وضرورة تثبيت صورة من بطاقة هوية الطالب على الدرج في قاعة الامتحان لسهولة التعرف إلى الطالب بالتنسيق مع الطلبة من خارج المدرسة تُطلب صور من بطاقات الهوية قبلها بوقت كاف، فضلاً عن نشر الوعي بين الطلبة والطالبات عن طريق اللوحات التوعوية بخطر استخدام الهواتف المتحركة والأجهزة الإلكترونية في أرجاء المدرسة والإجراءات المتخذة في حالة الإخلال بذلك.
واقتصر تنزيل الامتحان على مدير المدرسة نفسه، وبصورة سرية مراعياً فيها عدم وجود معلم المادة أو من له موانع امتحانية، وتنزيل نموذج الإجابة يتم من خلال مدير المدرسة أو من ينوب عنه لهذه المهمة، فضلاً عن تكليفه أو مساعده وعضو لجنة النظام والمراقبة لاستلام كتيبات الامتحانات، والتحقق من سلامة البيانات على صندوق الأسئلة والمغلفات، بالإضافة إلى تسليم مغلفات الأوراق الامتحانية لمراقبي الدور قبل بدء الاختبارات ب 10 دقائق من زمن تطبيق الامتحان.
افتقار المعايير الأخلاقية
إن الأسباب التي تدفع الشخص لتسريب الامتحان وتشجيع الطلبة على الغش، تستند إلى افتقاره للمعايير الأخلاقية والقيم الأساسية، وتدني مستواه المعرفي وإحساسه بالمسؤولية وافتقاره إلى مفاهيم الأمانة والولاء، هذا ما ذهبت إليه الدكتورة غاية عيسى المختصة في علم النفس التربوي، ومضت قائلة إن لتلك الظاهرة سلبيات كبيرة على الطلبة بمختلف مستوياتهم، وتؤدي بلا شك إلى انخفاض تحصيلهم الدراسي، والتواكل والاعتماد على الآخر، ونبذ الدراسة وعدم الاهتمام بالمذاكرة والاجتهاد والتطلع نحو المستقبل، فضلاً عن الطموحات التي قد تضيع هباء كنتيجة طبيعية لتفاقم تلك الظاهرة. وأضافت أن طرق الغش لدى الطلبة تأثرت ولا شك، باستخدام الوسائل الذكية، التي باتت أسرع وأكثر خفاء، فاليوم حالات الغش أصبحت جماعية يتم نشرها بين جموع الطلبة في أقل من ثانية بكبسة زر، فينبغي أن نتعامل معها بقدر التقدم العلمي والتكنولوجي للتصدي لتلك الظاهرة الدخيلة على مجتمعاتنا.
تحريم الغش
وفي وقفة مع الشرع الذي جاء يخاطب الطلبة والطالبات في الميدان التربوي، حيث أكد علاء المهيري، أن الغش في الامتحان لا يجوز، ويجب أن يؤدي الطلبة الأمانة في الامتحان والحذر من الغش، وينبغي عليهم الاجتهاد حتى يعرفوا ما يجيب به بأدلته من الكتاب والسنة، ويستعين في ذلك بكلام أهل العلم حتى يؤدي الجواب جيداً واضحاً بأدلته فالله سبحانه يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا» ويقول: في صفات أهل الإيمان: «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ» ويقول النبي صلى الله عليه وسلم «من غشنا فليس منا»، سواء كانت المادة دينية، أو عربية، أو لغة أجنبية جميع المواد يجب على الطالب والطالبة أن يجتهدوا في أدائها ويبتعدوا عن الغش.
اختبارات إلكترونية
أكد عدد من التربويين ومديري المدارس، أن ظاهرة الغش تمثل خطراً على حرمة اللجان، وتمثل وسيلة مؤثرة في عدم الاستقرار في فترة الامتحانات، لاسيما أنها تعوق مسيرة المتفوقين في المجتمع المدرسي، ولحماية العملية الامتحانية، والمحافظة على طاقات وجهود الطلبة المتفوقين، اقترح كل من سمر أبو مرسة وحميدان ماضي وأسماء دحبور و«ج أ» و«م ش»، التعامل مع العملية الامتحانية من خلال التطورات التكنولوجية المشهودة في المجالات كافة ومنها التعليم، حيث ينبغي أن يكون الامتحان إلكترونياً مثل الاختبارات الدولية، يعمل وفق نظام مركزي تتحكم في تشغيله وإغلاقه وزارة التربية في مواعيد الامتحانات المعتمدة، وأكدوا أهمية الابتعاد تماماً عن آليات الطباعة وتنزيل الامتحانات، والقيود والمسؤوليات التي تقع على عاتق مديري المدارس والمعلمين والمراقبين، موضحين أن الامتحانات الإلكترونية تسهم في توفير الوقت والجهد، وتوفر المزيد من الأمان والاستقرار في العملية الامتحانية، وتقلص محاولات التسريب والغش أو العبث بالورقة الامتحانية، وتسجل نتائج دقيقة حول مستويات الطلبة الفعلية.
حظر الوسائل الذكية
في مواجهة واقعية لوسائل الغش الذكية، حددت وزارة التربية والتعليم عدداً من المحظورات على الطلبة في مختلف أنواع التعليم، وهيئات المراقبة والتنسيق خلال الامتحانات، فضلاً عن الإجراءات المتبعة من قبل اللجنة المشكلة بالمدرسة أو بمقر اللجنة، ومنها: يحظر على طلبة الصفوف 6-12 المتقدمين لامتحان نهاية الفصل الدراسي أو أي اختبارات أخرى حمل أو استخدام كافة أنواع الهواتف المتحركة والأجهزة الإلكترونية الذكية ذات الخاصية الصوتية والسمعية والمرئية وكافة تطبيقات برامج التواصل الافتراضية الإلكترونية أثناء أداء الامتحان.
ويحظر على جميع العاملين في لجان الامتحانات حمل أو استخدام الهواتف المتحركة أو أي أجهزة إلكترونية داخل قاعة الامتحانات ولجان النظام والمراقبة ومراكز طباعة الامتحانات.
مخالفات وعقوبات
حددت وزارة التربية والتعليم ضمن إجراءاتها 8 مخالفات للطلبة خلال الامتحانات، أبرزها الغش أو مساعدة الغير عليه، وحمل أو استخدام الهاتف المتحرك أو الأجهزة السمعية والصوتية والمرئية، واستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي الافتراضية أو إثبات تداول الوثائق الامتحانية وذلك بناء على تقرير لجنة الإشراف العام على الامتحانات، ووضعت إجراءات وضوابط التعامل مع تلك المخالفات وفقاً للوائح المتبعة، حيث يتم حرمان الطالب من امتحان المادة ويرصد له صفر في خانة امتحان الفصل.
ويخطر ولي أمر الطالب الذي حرم من الامتحان وينبه بالإجراء المتخذ في حال تكرار المخالفة، وتحتفظ اللجنة بالأجهزة والوثائق التي تم ضبطها مع تقرير اللجنة، ومع تكرار المخالفة يحرم الطالب من امتحان جميع المواد.