كشفت نتائج الفصل الدراسي الأول عن تفاوت ملحوظ في نتائج طلبة المدارس الحكومية والخاصة «منهاج وزارة التربية والتعليم» بمختلف حلقاتها التعليمية الثلاث، مقارنة بنتائج التقويم المستمر، الذي تتحكم فيه إدارة المدرسة، وعزا الميدان التربوي نسبة الرسوب اللافتة للعيان إلى صعوبة المناهج وكثافتها، والأسئلة التعجيزية لبعض الامتحانات، التي فاقت قدرات الطلبة، وخاصة في مواد العلوم والرياضيات، إضافة إلى اتخاذ القرارات دون مشاركة المدارس وأولياء الأمور والطلبة.
ووفقاً لآراء من الميدان التربوي، أكدت ل «الخليج»، أن عدداً من الأسر أصيبت، يوم الاثنين الماضي، بحالة من الأسى والضيق؛ نتيجة رسوب أبنائهم الطلبة، من مختلف المراحل الدراسية الثلاث، وبشكل جماعي، وتدني درجات الآخرين، فيما وصفه بعضهم بالنتائج الصادمة، مشيرين إلى أن هناك أسباباً عدة لتدني مستوى تحصيل الأبناء، في نتيجة الفصل الدراسي الأول، منها: كثافة المناهج وعدم تناسبها مع الفترة الزمنية، ما يشكل تحدياً كبيراً للطلبة والمعلمين، فيما ردّها الآباء إلى التغيير السريع للسياسات التعليمية، التي طرأت على المدارس هذا العام؛ والمتمثلة في توحيد المنظومتين التعليميتين.
أكد عدد كبير من أولياء الأمور، أن درجات الفصل الدراسي الأول لأبنائهم شكلت صدمة للكثيرين؛ حيث أكدوا أنهم لم يقصروا في واجبهم نحو أبنائهم، موجهين سبب الإخفاق في تحقيق النجاح في مواد دراسية عدة إلى ضخامة المنهاج، وطول اليوم الدراسي، الذي أرهق طلبة المدارس والمعلمين.
وقال حسن البريكي (ولي أمر)، إن ابنه محمد في الصف الثامن حصل على درجة 17% في امتحان مادة الرياضيات، بعد أن كان متفوقاً في هذه المادة؛ حيث حصل في درجة التقويم على معدل 97%، وهذه الفجوة الكبيرة بين درجات الامتحان والتقويم ولدت لديه عقدة نفسية تمثلت في كراهيته للمادة والمدرسة.
وقال علي الحمادي (ولي أمر) إن الامتحانات كانت صعبة وتعجيزية، والمناهج تفوق قدرات الطالب واستيعابه لها، فيما قال الطالب سمير صهيب: «إن الوزارة ظلمتهم في الدرجات على الرغم من ثقته بأنه أجاب عن أسئلة الامتحان حتى لو تخللت إجاباته بعض الأخطاء إلا أنه لم يتصور بأنه سيحصل على هذا المعدل، الذي أصابه وأصاب زملاءه كذلك بالإحباط».
وأشارت ولية أمر التلميذ محمد البلوشي في الصف الأول الابتدائي إلى أن فرض امتحانات مطبوعة يؤديها تلاميذ صغار السن لم يمر على التحاقهم بالمدرسة سوى ثلاثة أشهر يعد أمراً مرفوضاً ولا يتقبله أي عقل، وأضافت: نحن لا نريد تعقيدهم، ولا نريد أن نتسبب كذلك في كراهيتهم للتعليم منذ نعومة أظفارهم، متسائلة كيف يستطيع طفل حديث الدراسة أن يفهم السؤال ويفك أحرفه وهو لا يجيد القراءة والكتابة في هذه المرحلة؟!
وأكد محسن المصعبي (ولي أمر)، أن الكل يتفق مع سياسة التغيير إلا أن هناك إشكالية في المناهج؛ من حيث التغيير المستمر فيها، وفي عدم مواءمتها للفصول الدراسية؛ ما يشكل تحدياً كبيراً للطالب؛ حيث إن منهاج الصف الثالث الابتدائي في العلوم يتكون من ثلاثة أجزاء بمجموع عدد صفحات يتجاوز ال800 صفحة، كما أن حجم المعلومات الموجودة في الكتاب تعد كمية هائلة بالنسبة لتلميذ في المرحلة الابتدائية؛ الأمر الذي يرهق التلاميذ وأولياء أمورهم.
وأشار صالح درويش (تربوي متقاعد)، إلى أن الجميع يدرك أن مدارس أبوظبي في مرحلة انتقالية، وأن مواءمة المناهج أمر جيد؛ لكن كان ينبغي على وزارة التربية والتعليم، ودائرة التعليم والمعرفة، مراعاة الفروق بين الطلبة عند وضع أسئلة الامتحانات، التي خيبت آمال الكثير من الطلبة وأولياء أمورهم، مشيراً إلى أن طلبة صفوف النقل اشتكوا من الامتحانات المركزية؛ كونها لم تأت وفقاً لما درسوه، فهم يدرسون منهاجاً يختلف عن المنهاج الوزاري منذ أكثر من 9 سنوات.
تسرُّع
وأكدت فوزية الجنيبي (ولية أمر)، أن النموذج المدرسي الجديد، الذي بدأ تطبيقه في العام الدراسي 2010-2011 في مدارس أبوظبي، ووصل في عام 2016 إلى الصف العاشر «الحلقة الثالثة» يعد نقلة نوعية على طريق تدشين منظومة تعليم متطورة في إمارة أبوظبي؛ حيث أنه يهيئ الطالب منذ التحاقه بمرحلة رياض الأطفال، على أسس علمية صحيحة، ويزوده بالمهارات والخبرات التعليمية المطلوبة مع انتقاله لكل صف ومرحلة دراسية أعلى، وفي المقابل شكل إعلان توحيد النظام التعليمي على مستوى مدارس الدولة، بداية استثنائية للعام الدراسي 2018/2017، بقيادة وزارة التربية والتعليم للعمليات المدرسية، وهذا أيضاً يعد أمراً جيداً ولا غبار عليه؛ لكن ما يؤخذ على القائمين على العملية التعليمية أنهم تسرعوا في إعداد أسئلة مركزية لطلبة كانوا يدرسون مناهج مختلفة، وكان الأحرى أن يتريثوا حتى تكتمل المرحلة الانتقالية، ويتم توحيد المناهج بشكل عام على مستوى مدارس الدولة.
نمط معين
وأضافت سهام قاسم (معلمة لغة عربية)، أن الخطأ ليس في توحيد المنظومتين، والاستفادة من تجربة كل نظام تعليمي؛ لكن ينبغي أن تكون هناك مسؤولية وعدالة، عند وضع أسئلة الامتحان، فطلبة مدارس أبوظبي لم يتعودوا على كتاب بعينه؛ لكن معظم الطلبة حققوا درجات عالية في المواد، التي تم توحيد مناهجها على مستوى المدارس، مثل: اللغة العربية والتربية الإسلامية والدراسات الاجتماعية، فيما لم يحقق طلبة أبوظبي درجات في بقية المواد؛ لاختلاف مناهجها؛ حيث إنهم تعودوا على نمط معين وأسلوب معين في التدريس، ما تسبب في وجود فجوة بين طموحات الوزارة من جهة، وطموحات الأبناء من جهة أخرى.
وقالت حمدة المضواحي (ولية أمر)، كثرة التغييرات على المناهج، أسهمت في كراهية الطالب لمدرسته وللتعليم فهو ينهض في الساعة السادسة صباحاً من نومه، ويعود إلى منزله في الرابعة عصراً، ويطلب منه أن يذاكر ويحل واجباته، وأن يحضّر للامتحان، وهذا يعد أمراً مستحيلاً لتحقيق نسبة نجاح ترضي طموحاته.
كثافة وتخبط
وطالبت أم محمد (ولية أمر)، بعودة النظام التعليمي، الذي تعود عليه طلبة أبوظبي منذ 9 سنوات قبل أن تنتقل المنطقة التعليمية إلى مسمى «مجلس أبوظبي للتعليم».
وقالت الطالبة سلوى حمدان في الصف الثامن، إن تدني الدرجات جاء لعدم منحهم الوقت الكافي لمذاكرة الامتحان، ونتيجة لكثافة المناهج، مشيرة إلى أن كتاب الرياضيات يتكون من 4 وحدات، وكل وحدة تضم دروساً أطول من الأخرى، كما أن معلمة المادة لا تسمح لهن بأخذ كتاب الوزارة إلى منازلهن لثقل وزنه، مؤكدة بأنهن لم يقمن بدراسة المادة من الكتاب الوزاري؛ بل اعتمدن على ما كان يُعطى لهن داخل الحصة الدرسية، كما أنه لم يتم تدربيهن على تمارين الكتاب في منازلهن؛ لذلك جاءت الأسئلة غريبة.
وانتقد محمد الفارس (ولي أمر) أوزان اختبارات التقويم والامتحانات.
تغيير الأوزان
وناشدت (ولية الأمر) فاطمة الصيعري، الجهات المعنية بالتعليم، بضرورة تغيير الأوزان؛ لتصبح 50% للتقويم المستمر، و50% للامتحانات، حتى لا تضيع جهود الطلبة خلال أيام الدراسة، مشيرة إلى أن ابنتها أخبرتها بأنها لن تضيع وقتها في إعداد المشاريع المطلوبة والتقارير من أجل 10% في الفصل الدراسي الواحد.
وقال جاسم الشاعر (ولي أمر)، إن تدني مستوى نتائج عدد كبير من الطلبة في امتحانات الفصل الدراسي الأول على مستوى الإمارات، أثار استياء عدد من الطلبة وأولياء الأمور، مشيراً إلى أن أهالي الطلاب استقبلوا نتائج هذا الفصل بصدمة غير متوقعة، ولا يمكن مقارنتها مع مستوى تحصيل معظم الأبناء، الذين أصيبوا بالحزن والانكسار، ومنهم ابنه مايد، وابنته غاية في الصفين الثامن والسابع، مشيراً إلى أن النتائج كانت محبطة لهما، فهما من المتفوقين في دراستهما، مشيراً إلى أنه لم يجد ما يبرر له هذا الإخفاق في نتيجة الفصل الأول لولديه.
سبب جوهري
وأشار الدكتور صالح الجرمي (خبير تربوي)، إلى أن هناك سبباً جوهرياً لظاهرة التدني في الدرجات، وهو أن النظام الحالي، الذي يعتمد عليه الكثير من المعلمين، في إيلاء الأنشطة التي تتصل بالمادة أهمية أكثر من كتاب المادة نفسه، إضافة إلى انشغال المعلمين بمحاولة تقديم المادة الإثرائية، التي تطغى على جوانب المادة الأصلية والموجودة أصلاً في الكتاب، هو من الأسباب الجوهرية التي تؤدي إلى ضعف مستوى الكثير من الطلاب لما هو مطلوب منهم في المقام الأول؛ وهي المادة الدرسية الواردة في الكتاب أولاً، التي تجسد محتوى الامتحان الذي ستضعه الوزارة أو الذي سيأتي من خارج المدرسة؛ إذ يعالج الامتحان، دوماً في المقام الأول، المادة الواردة في الكتب والموضوعة من قبل الوزارة، وبالتالي فلا غرابة أن يُفاجأ الطالب بأسئلة بعيدة كل البعُد عما تناوله ودرسه خلال الفصل الدراسي، ما يؤدي إلى تدني مستوى الدرجة لديه.
وحث المعلمين على أن تكون المادة الدرسية الواردة في الكتاب هي الأساس في تقديمها للطلاب، وبعد ذلك تتم عملية الإثراء؛ من خلال التدريبات والأنشطة الإثرائية المُصاحبة، التي تعمل على تقوية عضد الطالب في فهمه واستيعابه للمادة الأساسية والأصلية، كما ينبغي البحث عن الأسباب، التي أدت إلى هذا التدني في درجات بعض هذه المواد، وقال: أعتقد في هذا السياق، وعلاوة على الكثير من الأسباب، التي ربما تعود إلى إهمال بعض الطلاب؛ من حيث عزوفهم عن الدراسة، وعدم الاجتهاد في المادة، أو تعود إلى المعلم نفسه من حيث طريقته في إيصال المعلومة والتعامل مع طلابه.
غير مقبول
وتساءلت منى الهاشمي (ولية أمر): لماذا كل هذا الاستعجال في تخصيص امتحانات مركزية لطلبة لم يدرسوا مناهج موحدة إلا في ثلاث مواد، هي: اللغة العربية والتربية الإسلامية والدراسات الاجتماعية؟ أليس من الأفضل أن تؤجل الوزارة امتحانها المركزي، الذي فرض على طلبة مدارس أبوظبي حتى تكتمل المرحلة الانتقالية، ويتم تدريس المنهاج الموحد في جميع المدارس على مستوى الدولة.
وقال عبدالله الشحي (معلم)، إن الميدان التربوي تلقى قرار الوزارة بشأن إلغاء النجاح التلقائي لطلبة المراحل التأسيسية الأولى من الصف الأول حتى الخامس، واقتصاره على الصفين الأول والثاني فقط، بسعادة بالغة، خاصة وأن هذا النظام كان يتسبب في إلحاق ضرر على المستوى التعليمي للطلبة؛ حيث إن تطبيق النظام قبل نحو 4 سنوات في المدارس التأسيسية على مستوى الدولة، جعل من الطالب وولي أمره غير عابئين بجانب المذاكرة والتميز؛ لأنه كان يضمن للطالب حتمية النجاح والانتقال إلى المرحلة الدراسية الأعلى دون الاهتمام بالمحصلة التعليمية، التي حققها الطالب خلال مرحلته الدراسية السابقة، مؤكداً أن الأبناء سيتعودون على نمط الامتحانات المركزية، وسيحققون نجاحاً أفضل في الأيام المقبلة.
قفزة نوعية
وأكدت أمينة الماجد، (مديرة مدرسة) أن توحيد المنظومة التعليمية في إمارة أبوظبي مع المنظومة الاتحادية، وتعميم نموذج «المدرسة الإماراتية» ورفع كفاءة النظام التعليمي وصولاً إلى منظومة تعليمية وطنية موحدة، سيسهم في تحقيق قفزة نوعية في قطاع التعليم في الدولة، لاسيما في طريق التدريس وآليات ونظم التفاعل مع الطلبة. وأشارت انتصار علي (معلمة لغة عربية) إلى أن مواءمة وتحدي منظومة التعليم في الدولة تهدف إلى توحيد النظم والسياسات والمسارات التعليمية بين المدارس الحكومية في الدولة كافة، وتعميم نموذج «المدرسة الإماراتية»، وتعزيز كفاءة النظام التعليمي، والاستفادة المثلى من الموارد المتاحة، والخروج بخطة وطنية موحدة؛ للنهوض بأداء المنظومة التعليمية في الدولة، مشيرة إلى أنه على المدرسة والأسرة بذل الجهود وتحفيز الأبناء وتشجيعهم على المذاكرة والمنافسة؛ للارتقاء بمستواهم التعليمي، وتعريفهم بأن طريق النجاح ليس مفروشاً بالورود؛ بل بالجد والاجتهاد والمثابرة.
توحيد النظام
قال عمر عبدالعزيز (وكيل مدرسة)، إن توحيد النظام التعليمي على مستوى الدولة من شأنه بناء نظام تعليمي ابتكاري لمجتمع معرفي ذي تنافسية عالمية يشمل كافة المراحل العمرية، ويلبي احتياجات سوق العمل المستقبلية؛ من خلال ضمان جودة مخرجات التعليم على مستوى مدارس الدولة كافة، وتقديم خدمات متميزة للطلبة وجميع العاملين في السلك التربوي، مشيرة إلى أننا نتمنى كتربويين وأولياء أمور أن يحقق أبناؤنا نتائج مشرفة في الفصل النهائي والسنوات الدراسية المقبلة.
حسين الحمادي: التعليم لا يحتمل المجاملة وإخفاء الحقائق
أكد وزير التربية والتعليم، حسين بن إبراهيم الحمادي، أن نتائج امتحانات الفصل الدراسي الأول لطلبة الصف الـ12، «مُرضية»، إذ حققوا نتائج وصلت إلى 95% في بعض المواد، فيما شهدت نتائج الامتحانات في مواد أخرى تراجعاً، لاسيما الرياضيات والفيزياء إذ راوحت نسبة النجاح فيهما بين 70 و80%. وتمثل نتائج الامتحانات الفرصة الأولى من العام الدراسي الجاري، فيما تتبعها فرصتان أخريان لتحسين النتيجة في الفصلين الدراسيين الثاني والثالث.
وأكد اختلاف بناء الورقة الامتحانية عن السنوات السابقة، إذ «يصعب المطالبة بإعادة النظر في أسئلة (الاختيار من متعدد)، أما في الجانب الكتابي فإن المناقشة والمراجعة فيه ممكنتان».
ولفت إلى أن «التعليم لا يحتمل المجاملة وإخفاء الحقائق، يجب أن تكون النتائج شفافة بالنسبة للمدرسة والطالب وولي الأمر، وهو ما يستوجب الاعتراف بالمستوى، أو القدرات الحقيقية، من أجل بذل جهود مناسبة لتحسينها». وأضاف، أن الوزارة تتلقى كل عام ملاحظات أولياء الأمور على نتائج الفصل الدراسي الأول لأبنائهم، إلا أن تجارب السنوات السابقة تبيّن أن نتائج الطلبة تتحسّن بشكل ملحوظ خلال الفصلين الثاني والثالث.