كشفت مصادر مطلعة في ميدان التربية والتعليم الخاص، عن ممارسة بعض الهيئات التدريسية في بعض المدارس الخاصة برأس الخيمة، تزييف علامات الطلاب في الاختبارات النهائية للفصول الدراسية، ومنحهم درجات مرتفعة لإظهار تفوقهم، بهدف أن ينعكس ذلك إيجاباً على المعلم المسؤول أمام إدارة المدرسة، ولتظهر المدرسة بسمعة مميزة أمام أهالي الطلاب والمجتمع من منطلق الترويج لجودة التعليم.
قالت سمية حارب، مديرة المنطقة التعليمية في رأس الخيمة، إن الفرق الرقابية تنفذ زيارات ميدانية متعددة، وتكثفها بشكل كبير خلال فترة الاختبارات النهائية، لتطلع على جاهزية المدرسية لخوض الطلبة للامتحانات، كما تأخذ عينات من نماذج الاختبارات لتقارنها بالدرجات الرسمية للطلبة التي تم رفعها للوزارة، وهذا النظام متبع بشكل مستمر، وهو بند رقابي مهم في عمل المنطقة التعليمية.
وتعقيباً على ما أوردته «الخليج» من مصادرها الخاصة، أكدت أن هذا السلوك في حال كان متبعاً في بعض المدارس الخاصة، يلحق ضراراً كبيراً بالمنظومة التعليمية، ويؤثر سلباً في مستوى الطلبة مستقبلاً، مناشدة الأهالي والطلاب أو أي شخص يلاحظ تجاوزات خطيرة كما ذُكر أنفاً، ضرورة إعلام الجهات الرسمية فوراً، وتحديد الجريمة بشكل مباشر لوضع المدرسة تحت المجهر، والتدقيق عليها لإثبات أي مخالفات وتجاوزات تؤثر في سير العملية التعليمية، لمحاسبتها على أي تصرفات غير مسؤولة.
وأوضحت أن بعض العاملين في التدريس الخاص، يقومون برفع الدرجات للطلاب في نهاية كل فصل دراسي بشكل مباشر وملحوظ، بالرغم من تدني الدرجات في ورقة الاختبار، بينما البعض الآخر يصحح للطلبة أخطاءهم بهدف رفع درجاتهم، لكي لا تكشف عملية التزييف في حال شُنت حملات رقابية وتفتيشية من قبل الجهات الرسمية، وذلك بهدف أن يظهر المعلم أو المعلمة أمام إدارة المدرسة بالكفاءة المطلوبة لرفع مستوى الطلاب علمياً، الأمر الذي سينعكس ضمنياً على جودة المدرسة وتميزها أمام الناس.
وقال ذوو عدد من الطلاب في إحدى المدارس الخاصة بالإمارة، فضّلوا عدم ذكرأسمائهم، إنهم لاحظوا تفوق أبنائهم في العلامات النهائية في بعض المواد الدراسية، مؤكدين أنهم فرحوا كثيراً لذلك، إلى أنهم شدّدوا على أنه في حال هناك أي تزييف في العلامات لغاية إظهار الجودة الزائفة للمعلم المسؤول والمدرسة، يجب على الجهات الرسمية تشديد الرقابة في هذا الإطار، ومحاسبة المدارس التي تتبع هذا الأسلوب بهدف الترويج لنفسها أمام الناس.
صورة وهمية
قال إبراهيم الجاوي، خبير تربوي، إن تزييف علامات الطلاب، يؤدي إلى انحدار تدريجي في المستوى التعليمي للطلبة مع مرور سنوات الدراسة، إذ إن المستوى الحقيقي للطالب يظهر عند الاختبارات المفصلية في مسيرته الدراسية، التي ستنقله إلى حقل الدراسات العليا، مشيراً إلى أن التلاعب في درجات الطلبة من قبل المدرسين، يرسم صورة وهمية لمستواهم أمام ذويهم ومجتمعهم، ليكون الإحباط والشعور بالانكسار عندما تتجلى حقيقة مستوى الطالب المنطقي والواقعية في أحد اختبارات المراحل الجدية التي لا دور للمعلم في احتساب درجاتها.
وأكد، أن هذا التزييف لا يتوقف على درجات الطلبة فقط، وإنما في مستقبلهم، وإمكاناتهم العقلية، ومقدرتهم العلمية، كما أنه تلاعب في أحلامهم وطموحهم، كما أنه تنكيس لذويهم الذين يرون في ابنهم الشخص القادر والمتمكن بناء على معدلاته المتفوقة، وهذا التصرف من بعض المعلمين في بعض المدارس الخاصة، ظلم للطالب ولزملائه، وإجهاض للتنافسية.
وأوضح، أن نتائج هذا التزييف تظهر حقيقتها، عندما ينتقل بعض الطلبة من المدارس الخاصة إلى الحكومية، وخاصة في مرحلة التدريس للحلقة الثالثة الأكثر مراحل التنقل لخوض غمار التعليم الثانوي، حيث يهبط معدل الطالب بشكل كبير، إذ من الممكن أن يصل بعضها من 90 درجة مئوية فما فوق إلى 70 درجة فما دون، ليرمي ذوو الطلبة المشكلة في ذلك على التعليم الرسمي، مشيراً إلى أنه شهد (على سبيل المثال) حالة لطالب جاء من مدرسة خاصة، هبط معدله من 98% إلى 65%، وعند مراجعة ولي الأمر للمدرسة، كشفنا له جميع الأوراق، ووضحنا له مستوى ولده الحقيقي، وليس كما كان يعتقد، أو كما رسمت له المدرسة الخاصة التي جاء منها.
وأكد الجاوي، أنه من الكارثة أن تنتهج المدارس الخاصة أساليب للتربح على حساب التعليم الحقيقي والصادق، مشيراً إلى أن التزييف في درجات الطلاب يقع ضمن معادلة تعتمدها معظم المدارس الخاصة، وهي في «رسوم مالية - مقابل - درجات مرتفعة»، لتستغل ذلك لتلميع سمعتها بهدف جذب أكبر عدد من الطلاب.
خلل عميق
أوضحت شيخة الطنيجي، أكاديمية تربوية في جامعة الإمارات، أن الطلاب على دراية كاملة وواعية بمستواهم الحقيقي في الدراسة، لهذا فهم يتسترون على واقعهم أمام ذويهم في حال منحتهم المدرسة درجات مرتفعة غير الواقع الحقيقي، من منطلق الدعم من المعلم أو من إدارة المدرسة، الأمر الذي يمنحهم هامشاً كبيراً للاعتماد على الوهم الذي أصبح جزءاً من تقييم مستواهم التعليمي.
وترى أنه من الضروري متابعة الوضع العام للطلاب من قبل ذويهم، مشيرة إلى أن الأسرة عليها دور كبير في إنجاح المنظومة التعليمية، وأن أي خلل في تقييم الطلاب يقع مسؤوليته على جميع الجهات، مؤكدة أن غياب الأسرة يسمح بتجاوز الواقع في التقييم، واتباع أسلوب التزييف لرفع درجات الطلاب من منطلق التلميع للمعلم أمام إدارة المدرسة وذوي الطلاب، أو المدرسة أمام المجتمع.
وقالت، إن أسلوب تزييف درجات الطلاب في حال وجد ولو في بعض المدارس، فهو خلل عميق يندرج ضمن مشكلات يجب تحديدها ودراسة أسبابها ومعالجتها فوراً، لأنها تلحق ضرراً جسيماً في البنية الأساسية للتعليم، وكأننا نبني الأجيال على أساس واهن، ونرسم طريقاً من سراب، ونحلم بمستقبل من وهم.
الأسرة مسؤولة
أكد نادر المندوس، رئيس قسم الرقابة في منطقة رأس الخيمة التعليمية، أن اتباع بعض أعضاء الهيئات التدريسية في بعض المدارس الخاصة هذه التجاوزات لغايات غير مشروعة، يلحق دماراً كبيراً بالمنظومة التعليمية، ويضر في تكاملية المجتمع تُجاه الطلاب، مبيناً أن تزييف تقييم الطلاب بما لا ينسج مع واقعهم، يشكل صورة سرابية لمستقبلهم، ويضع أولياء الأمور أمام وهم التفوق لأبنائهم، مما سيشكل حالة من الإحباط أمام الاختبارات الثانوية مستقبلاً.
وحذر المندوس أولياء الأمور من ترك أبنائهم في المدارس دون متابعة، وشدد على أن الأسرة جزء مهم وأساسي من تكاملية المنظومة التعليمي، وتتحمّل مسؤولية كبيرة تجاه الأبناء ومستواهم التعليمي، من خلال المتابعة الحثيثة لوضعهم العام في الدراسة، والاطلاع على تقييمهم في مختلف النشاطات من خلال التواصل المباشر مع الهيئات التدريسية للتعرف إلى مستواهم الحقيقي.
وذكر حالة كانت في الماضي، حول طالب انتقل من إحدى المدارس الخاصة التي كان يحصّل فيها على تقييم نهائي يصل إلى 80 درجة مئوية، إلى مدرسة حكومية تبين فيها أنه لا يستطيع القراءة والكتابة، مشيراً أن ولي الأمر شعر بصدمة كبيرة عندما اكتشف أن التقييم الذي كان يحصل عليه ابنه سابقاً مجرد وهم.