التأخر الصباحي، ظاهرة حقيقية شاعت في عدد من مدارسنا، وتفنن في ترجمتها الطلبة، حيث قادت بعضهم إلى الفصل النهائي من المدرسة، وبعضهم الآخر إلى خفض درجاتهم وتدنيها وتوبيخهم المستمر أمام زملائهم ومعلميهم.
وأصبح التخلف عن الطابور الصباحي أو التأخر عن الحصة الأولى، روتيناً لدى البعض، حتى باتت الظاهرة مشكلة قائمة تعانيها المدارس، خاصة أن بعض أولياء الأمور يستسهل هذه الظاهرة السلبية التي ستخلق للأبناء متاعب جمة عندما يلتحقون بدراستهم الجامعية أو بوظائفهم العملية مستقبلاً. وتُعد ظاهرة التأخر عن الطابور الصباحي من أبرز الظواهر التي تؤثر بشكل سلبي في الطالب بالدرجة الأولى، وتفقده روح الالتزام والانضباط وفق نظام المدرسة، كما تؤثر في دور المدرسة في السيطرة على الطلاب ومتابعتهم خلال الطابور، ورغم التوجيه الذي تقدّمه إدارات المدارس وفقاً للوائح السلوك المعمول بها، إلا أن بعض الطلبة لا يأخذون بالنصح والإرشاد، ويظل التأخير روتيناً يمارس صباح كل يوم.
«الخليج» تبحث في أسباب الظاهرة، وخطورة الآثار الناجمة عنها، حيث أكد عدد من التربويين والطلبة وأولياء الأمور أنها الأبرز على الإطلاق، وأن أسبابها عديدة، منها غياب حماسة ودافعية الطالب نحو التعليم، وكرهه لمدرسته، بالإضافة إلى عامل السهر، واستهتار باللوائح المدرسية، كما بحثت الدور الذي ينبغي أن تقوم به المدرسة بمساندة أولياء الأمور في توعية الطالب بأهمية الانضباط في حضور الطابور الصباحي والالتزام بالدوام المدرسي.
في البداية، أكد الاختصاصيون التربويون أن للطابور أهمية في إبراز قيمة الوقت والانضباط، إضافة إلى أنه وسيلة لتأكيد روح الولاء وحب الوطن للطلاب، كما أن الإذاعة المدرسية وما تحتويه من فقرات تثري معلومات الطلاب، وتنمّي لديهم المعرفة وتبرز مهاراتهم المختلفة، مشيرين إلى أن هذه الظاهرة المسؤول الأول عنها هو الأهل، فهم من يجب عليهم تنظيم أوقات أبنائهم ومتابعتهم أثناء الذهاب والعودة من المدرسة، فيما يرى أولياء الأمور أن ضغط الحياة وكثرة الالتزامات والازدحام الذي تشهده الطرق صباح كل يوم مدرسي، هي من الأسباب الرئيسية في تأخر أبنائهم.
تنبيهات
قالت وديمة محمود - وكيلة مدرسة ثانوية لشؤون الطالبات - إن ظاهرة التأخير لا تقف عند الأيام العادية بل تمتد إلى أيام الاختبارات، على الرغم من التنبيهات المتكررة والوعيد بالحرمان من الاختبار في حال التأخر، ولكن (لا حياة لمن تنادي)، مشيرة إلى أن كل مدارسنا تعاني هذه المشكلة التي نخشى أن تصبح ظاهرة إن لم تكن أصبحت كذلك، مشيرة إلى أن إدارة المدرسة وبالتعاون مع الاختصاصية الاجتماعية وضعت الطالبات على بيّنة من خطورة الآثار الناجمة عن هذه الظاهرة، وما تسببه من سلبيات في إضاعة الوقت دون فائدة، مؤكدة أن جلسات التوجيه المستمرة والمتابعة، ساهمت في شفاء عينات من الطالبات من داء التأخر الصباحي.
فوائد
وقال خالد المنصوري - مشرف تربوي- إن هناك آثاراً مترتبة عن التأخير الصباحي منها، ضعف التحصيل الدراسي، والحرمان من دروس الحصص الأولى وتناقص درجات المواظبة، مشيراً إلى أن فوائد حضور الطابور الصباحي عديدة، منها تنمية الحس الوطني لدى الطالب، وتنشيط الدورة الدموية الذي يؤدي إلى تنشيط الذاكرة والقدرة على التفكير والاستيعاب، والاستماع إلى بعض المواعظ والتعليمات والتوجيهات الإرشادية من خلال الإذاعة المدرسية، لما في ذلك من فوائد عديدة.
عدة أسباب
ولمعالجة هذه الظاهرة، قالت ابتسام الحواني - اختصاصية اجتماعية - إن البداية الجيدة للطالب في اليوم الدراسي، تبدأ من الطابور الجيد الذي ينتظم به الطلاب، ويجتمع فيه كل أسرة المدرسة من المدير والكادر الإداري والمعلمين والطلاب.
وأضافت أن هناك عدة أسباب أدت إلى انتشار هذه الظاهرة، ومنها أن رغبة الأهالي في أن يكون أبناؤهم في بعض المدارس المتميزة، ما يدفعهم إلى تحمل عناء المسافات الطويلة، وهذا بالتأكيد سيجعل الطالب يتأخر عن حضور الطابور، إضافة إلى زحمة الطرق خلال فترة الصباح.
مزاجية وسهر
من جانبه، يرى صالح العامري (موظف) أن المزاجية تكون في بعض الأحيان وراء تغيّب الطالب عن الطابور الصباحي، فهو لا يرغب في أن يستيقظ باكراً لينتظر الحافلة، ثم يتوجه للمدرسة، كما أن البعض يتهرب من الطابور، لأنه يكون مخالفاً للزي المدرسي أو بعض القوانين الأخرى، ولا يرغب في أن تراه الإدارة خلال الطابور، فتتم معاقبته.
وأشارت علياء المرزوقي - معلمة تربية إسلامية - إلى أن أسباب التأخير الصباحي للطالب يعود لسهره في الليل والنوم المتأخر الذي يؤدي إلى عدم استيقاظه في الوقت المحدد للحاق بالحافلة المدرسية مع زملائه، وإصرار أولياء الأمور على اختيار مدارس بعيدة عن سكن الطالب وتحمّلهم مسؤولية إيصاله إلى المدرسة بمركبة الأسرة الخاصة، مما يؤدي إلى استسهال الطالب عملية الخروج المبكر، بالإضافة إلى عدد من الأسباب، منها عدم رغبته في حضور الطابور الصباحي وجديته في الدراسة وافتقاده للتنظيم السليم للوقت.
فصل
وقال محمد عباس - اختصاصي اجتماعي- إن هناك إجراءات ينبغي أن تتخذها إدارة المدرسة، أولها البحث عن أسباب تأخر الطالب، وأن تحرص على الاتصال بولي الأمر للكشف عن الحقيقة، مشيراً إلى أنه للأسف فإن قلة من الآباء يستجيبون لنداء المدرسة، ويراجعون الإدارة لمناقشة الأمر، وتبقى هذه الإجراءات داخلية دون أن يلقى الطالب عقوبة صارمة، مشيراً إلى أن الإدارة ملزمة مع تكرار الطالب لواقع التأخر الصباحي، اللجوء إلى لائحة النظام والسلوك الداخلي، التي قد يُفصل بموجبها الطالب في نهاية المطاف.
وقال علي الحمادي - وكيل مدرسة ثانوية - إن هناك حالات تم فصلها بالفعل نتيجة عدم اكتراثها برسائل الإنذار واستمرارها في التأخير الصباحي للحصتين الأولى والثانية، كما تطورت بعض تلك الحالات إلى غياب كامل عن الدراسة لأكثر من 30 يوماً، وقد تم فصلها من قبل إدارة المدرسة وفقاً للائحة، إلا أن تلك الإدارات المدرسية غالبا ما تُفاجأ بعودة الطالب إلى المدرسة وحصوله على رسالة رسمية من جهات تعليمية أعلى تسمح له باستئناف دراسته، مما يضع الإدارة في موقف ضعيف أمام طلابها بشكل عام.
إهمال
وأشارت جميلة الظاهري - مديرة مدرسة - إلى إهمال بعض الأهالي في متابعة أبنائهم، ومسؤوليتهم في توجيههم إلى أهمية الالتزام بالطابور المدرسي، من خلال تهيئة الظروف لهم وتنظيم أوقاتهم، وقالت إنه يتم إحضار ولي الأمر إذا تكرر تأخر الطالب، حيث يقوم بالتعهد بالالتزام بإحضار ابنه في وقت الطابور، لافتة إلى أنه تتم مراعاة بعض الحالات وظروف الأهل.
وأكد الطالب غالب المطروشي أن بعض زملائه يتعمّدون التأخر يومياً، وفئة منهم تتجنب حضور الطابور الصباحي، وتلجأ إلى البقالة أو «الكافتيريا» لتناول وجبة الفطور، لافتاً إلى أن هؤلاء الطلبة دائماً ما يتحَدّون إدارة المدرسة ويتباهون أمام أقرانهم بصنيعهم هذا، معتبرين أن هذا السلوك علامة من علامات التميز، متناسين أن مصيرهم، إما التغيب عن الدراسة ليوم أو أيام بفعل إقفال أبواب المدرسة في وجوههم، وإما الفصل النهائي من المدرسة، وهذا يشكل في الأخير ضياع مستقبلهم.
استهتار
وقالت منال رفعت - معلمة تربية إسلامية - إن أهم أسباب التأخر عن الطابور أو الحصة الأولى هو السهر، وعدم ضبط الوقت بالشكل المطلوب، وكسل الطالب واستهتاره بوقت النوم المبكر، مشيرة إلى أن السهر عادة سلبية تضر بالصحة البدنية والنفسية.
عادة
وقال الطالب يوسف عيسى إنه تعود على التأخير منذ أن كان في المرحلة الإعدادية ولمدة نصف ساعة يومياً، على الرغم من قرب المسافة بين مدرسته ومنزله، مشيراً إلى أن التأخير أصبح عادة مستحبة لديه حالياً في المرحلة الثانوية، لافتاً إلى أن التأخير أصبح مزاجاً له، وأن أسرته لا توبخه على ذلك، فوالدته مستغرقة في نومها ووالده غير متواجد في المنزل معظم أيام الأسبوع، وأن عاملة المنزل لا يهمها إن استيقظ مبكراً أم لا.
وأكد الطالب عبد الله عبد الغفار أنه حاول مراراً وتكراراً التحكم بمواعيد نومه وصحوه مبكراً ولكن دون جدوى، فبدأ مراجعة ذلك بجدية أكبر، خاصة بعد أن استدعت إدارة المدرسة والده لمناقشة أسباب تأخيره المتكرر وانعكاس ذلك على تحصيله الدراسي، مشيراً إلى أنه كان يتعرض لمواقف محرجة جراء تأخيره الصباحي، منها التوبيخ المتكرر أمام زملائه ومعلميه.
وقالت شيخة الهرمودي - ولية أمر- إن الأهل هم سبب هذه الظاهرة، فمنهم من يترك ابنه يسهر ليلاً فيأتي الصباح فلا يستطيع الاسيتقاظ، وبالطبع سيتأخر في الوصول إلى المدرسة، كما أن بعض الأمهات يقمن مسرعات للتوجه لعملهن ولا تهتم الواحدة منهن إن كانت ابنتها قد استيقظت للذهاب إلى المدرسة أم لا.