تحولت ظاهرة اصطحاب الطلبة لهواتفهم المتحركة معهم داخل الصفوف الدراسية إلى هاجس يؤرق مؤسسات التعليم في مختلف دول العالم، حيث أصبح الجهاز مصدر قلق للميدان بعد أن أثبت الواقع أنه السبب في تشتيت انتباه الطلبة وتعطيل الحصص، إلى جانب إثارة المشاكل بين الطلبة والكثير من السلبيات التي يبحث لها التربويون عن حلول ملائمة تستفيد من الجانب التقني الذي توفره تطبيقات الهواتف المتحركة والحد من استخداماته السيئة في التقاط الصور والمقاطع المصورة أو الدخول إلى منصات التواصل الاجتماعي خلال الحصص الدراسية.
المختصون أكدوا أن الطالب خلال اليوم الدراسي لا يحتاج إلى هاتفه المحمول وبالتالي لا بد أن يتم النظر في الأمر ويمنع الطلبة من إحضار هواتفهم إلى المدارس، على أن يتم ذلك بدعم من أولياء أمورهم الذين عليهم المساهمة في إقناع أبنائهم بالتخلي عن هواتفهم خلال ساعات تواجدهم في المدارس.
يؤكد ناصر سلام مدير مدرسة النشء الصالح في العين أن مشكلة اصطحاب الطلبة لهواتفهم المتحركة باتت من المشاكل ذات الحضور القوي في جميع المدارس، وهذه الظاهرة أصبحت من الظواهر العالمية التي تعاني منها مؤسسات التعليم المحلية والعالمية، مضيفا ان جميع مدارس العالم تعاني من المشكلة نفسها وهناك إجماع كبير على ان وجود تلك الأجهزة مع الطلبة داخل المدارس والفصول له تأثير سلبي ولا بد من تجنيب الطالب له، وذلك لن يتم سوى بإقناع الأسرة بضرورة منع أبنائهم من استخدام تلك الأجهزة داخل المدارس.
وأضاف ان الكثير من الدراسات القديمة والحديثة أكدت سلبية وجود الهواتف المتحركة مع الطلبة داخل الصفوف الدراسية للكثير من الأسباب أبرزها أنها تشتت الطالب وتمنعه من التركيز مع شرح المعلم ما ينتج عنه في المحصلة عدم فهم الطالب للدرس بالشكل الصحيح، الأمر الذي يترتب عليه سلسلة من الأخطاء التي تنتهي بعدم نجاح الطالب في دراسته أو حتى نكون متفائلين سيحصل الطالب على نتيجة متدنية لا تعكس مستواه الحقيقي.
من الأعباء اليومية للمعلمين
ويقول مدير إحدى المدارس إن مشكلة إدخال الهواتف داخل المدارس أصبحت من الأعباء اليومية للمعلمين لافتا إلى ان الطلبة يدخلونها إلى الفصول ويقومون باستخدامها خلال الحصة الدراسية وهو الأمر الذي يتعارض مع جميع خطط التطوير التي تنفذها مؤسسات التعليم.
وقال إننا نقوم بتفتيش الطلبة بشكل يومي ولكنهم يبتكرون حيلاً لإخفاء تلك الأجهزة مشيرا إلى بعض الحيل التي تم اكتشافها.
استبيان مع الطلبة
أما الاختصاصية نشوى حسن فتقول: يلجأ الطلبة إلى خلق مبرراتهم الخاصة بهم والتي يسعون من خلالها إلى أن يقنعوا من حولهم بها.
ومن أجل التحقق من ذلك أجرت ادارة مدرسة النشء الصالح الخاصة بالعين استبيانا مع الطلبة عن إيجابيات وسلبيات استخدام الهاتف المحمول داخل المدرسة، فوجدنا آراء مختلفة بين من يجدها ضرورة مقدماً العديد من الحجج ومن يرفض استخدامها بشكل قاطع.
حيث اتضح من مناقشة الطلبة ان سلبيات استخدام الهاتف المحمول أكثر من إيجابياته.
لذلك قامت الاختصاصية الاجتماعية بالمدرسة بالاجتماع مع إدارة المدرسة ومجلس الطلبة لمناقشة إجراءات منع إحضار الهاتف المحمول إلى المدرسة. وإدراج ذلك في سياسات دليل الطالب الذي يتضمن لوائح إدارة السلوك.
وجهات نظر
ويضيف أحمد النيادي مسؤول تطوير الجودة التعليمية: بلا شك أننا نعيش عصر التقنيات والتطور المعرفي المتسارع، ولقد دخلت هذه التقنيات في شتى شؤون حياتنا، وصار من الصعوبة بمكان أن نعيش الآن بدونها، حيث إنها ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بشتى مناحي الحياة، والكلام عن الهواتف المتحركة في وقتنا الحالي، هو الكلام عن جزء مهم وأساسي بنا، وهي التي صارت يعتمد عليها في إنجاز الكثير من الأعمال خصوصاً مع ظهور الهواتف المتحركة الذكية، والتطورات الهائلة التي ترتقي بها فترة بعد فترة.
إن تناول الهواتف المتحركة وعلاقتها بطلاب المدارس، وهم الفئة العمرية الأكثر ارتباطاً بهذه التقنيات، حديث ذو شجون، يثير العديد من وجهات النظر، وكل وجهة نظر لها مبرراتها، فهناك من يؤيد اقتناء الطلاب للهواتف المتحركة، بشرط أن تكون للحلقة الثالثة، وهم الأكبر سناً والأكثر وعياً باستخدامها، ويعرفون المحاذير المترتبة عليها.
تحت طائلة القوانين
وهناك من لا يؤيد بتاتاً فكرة أن يقتني الطالب هاتفا متحركا بالمدرسة، حيث إن الهدف من وجوده بالمدرسة هو الدراسة وتحصيل العلم والمشاركة الفاعلة بالأنشطة والبرامج التربوية، والهاتف المتحرك له محاذير قد يقع فيها الطالب، كأن يقتحم خصوصيات زملائه الآخرين وبقية مكونات المدرسة، وهنا قد يقع تحت طائلة القوانين التي وضعتها الدولة، هذا غير الإشكاليات التي قد تحصل بين الطالب وزملائه، والتي قد تنتقل حتى إلى أسر الطلاب أنفسهم، وبالتالي تصبح للاستخدام الخاطئ آثار قانونية واجتماعية.
مدارسنا حال بقية مؤسسات الدولة، أولتها القيادة الكريمة جل الاهتمام، ووفرت فيها كل ما من شأنه تسهيل الدراسة على الطلاب، وتوفير البيئة المناسبة والجو الصحي الملائم لأبنائنا الطلاب، من أجل أن يحققوا آمال وطنهم الغالي.
ومن وجهة نظري، لا أرى داعياً لوجود هاتف متحرك عند الطالب داخل المدرسة، فلا أحد يضمن طبيعة ووقت الاستخدام، هذا غير أن الطالب من الأساس لا يحتاج لهذا الهاتف مع توفره بمدرسته، ويستطيع في أي وقت أن يستخدم هاتف المدرسة، فيبقى تركيز الطالب على الدراسة.
الاستخدام الصحيح
عموماً الهواتف المتحركة الذكية لا غنى عنها، وهنا أوجه دعوة صادقة للأسر وأولياء الأمور بضرورة توعية أبنائهم حول الاستخدام الصحيح لهذا الجهاز، وضرورة المحافظة على خصوصيات الآخرين، ويتكامل دور الأسرة مع المدرسة مع بقية وسائل الإعلام في مجال التوعية، وأن الاستخدام السليم لهذا الجهاز وبشكل نافع له فوائد فردية وبالتالي مجتمعية، وبلا شك فإن الأخلاق والقيم والضوابط الذاتية أساساً هي التي تحرك الشخص نحو الاستخدام المناسب للهاتف المتحرك.
ويضيف الأخصائي الاجتماعي خليفة مصبح النيادي: نحتاج في هذه الفترة وفي هذا العصر المتسارع المتغير إلى معلم متمكن من أدواته، معلم يستطيع أن يوظف التكنولوجيا الحديثة في الحصة الدراسية بحيث تصبح أدوات مساعدة بدل أن تكون عائقا.
إثارة الدافعية
هذا الحديث يقودنا إلى هذا الجهاز الغريب الذي يطلق عليه اسم الهاتف المتحرك وتطبيقاته المختلفة، وانقسم التربويون بين مؤيد لوجوده في المدرسة، ومعارض؛ ولكل وجهة نظر يدعمها الواقع والتحديات المختلفة.
الرأي المؤيد يقول: لا يمكن أن يعيش الطالب في عزلة عن المجتمع العالمي المملوء والزاخر بالتطورات الحديثة المتسارعة. كذلك لا بد أن يكون الجيل القادم من الطلاب على علم وخلفية عميقة بما يحدث في العالم.
كما أنه يمكن توظيف هذه الأجهزة والتطبيقات التعليمية في دعم تعلم المهارات وتمكين الطالب منها.
أضف إلى ذلك أن وجود الجهاز عند الطالب يعتبر حماية له خاصة وأننا نركز على حماية الطفل في هذه الفترة، حيث يمكنه التواصل مع أي جهة سواء من أهله أو من الجهات المسؤولة.
ومن البديهي أن يوظف الأهل الجهاز في إثارة الدافعية لدى الطالب بحيث يمكنه تملك جهاز وأخذه إلى المدرسة إذا حقق الدرجة المطلوبة من التحصيل العلمي والدرجة المطلوبة من الالتزام السلوكي.
الحريات الشخصية
وفِي المقابل فإن الرأي المعارض يقول ويحتج بأن هذه الأجهزة عموما لا نقول إنها دخلت على حياتنا بل نقول إنها استولت على أوقاتنا وسلبتنا الحريات الشخصية التي كنا نتمتع بها قبل وجود هذا الجهاز بإصداراته المختلفة.
كما أن هذه الأجهزة تكون أدوات تشتيت للطلاب، تصرفهم عن الهدف الأساسي من الحضور للمدرسة وهو طلب العلم والتمكن من المهارات.
كما أنها من الباب الآخر قد تكون سببا في نقل الصور والإشاعات وترويجها في المجتمع المدرسي وغير المدرسي.
كذلك في أبسط الأحوال هذه الأجهزة معرضة للسرقة والفقدان فمن يتحمل نتيجة ذلك ومن يعوض صاحبها.
ومما يزيد الطين بلة أن معظم الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة يمتلكون هذه الأجهزة بدعم من أهاليهم.
الشغل الشاغل
أما عبدالله الشامسي فيقول: الهاتف النقال أصبح الشغل الشاغل لطلاب المدارس وأحدث تلك الهواتف هو أفضل هدية قد يحصلون عليها، وعندما يقوم الآباء بشراء الهاتف قد يكون سببا في دمارهم، كيف لا وجميع الدراسات أثبتت خطورة الهواتف بالنسبة للكبار فما بالك على الأطفال. هناك مخاطر قد تغيب عن أولياء الأمور خاصة أثناء اليوم الدراسي من تلك المخاطر انشغال الطالب عن الحصة بالهاتف ومحاولة إضاعة وقت الحصة وتشتيت فكر المعلم.
ويضيف: أخيرا لا بد من تعاون أولياء أمور الطلاب لمحاولة تجنب تلك الأضرار على الطالب، اذا لم يتم التعامل مع هذه المشكلة بحكمة سوف يتضرر الطلاب بشكل كبير وخطير.
أصدقاء افتراضيون
ويقول فايز أحمد اختصاصي اجتماعي: لا تنفك يدا الطالب من هاتفه إلا ما ندر، فلم يعد الكتاب خير جليس له، ولم تعد مجالسة الآباء هاجساً يشغله، ولم يعد المعلم ملهمه ومنارة علمه، فنجد أن الطالب يستخدم هاتفه أثناء الدرس، فلا يصغي لشرح المعلم ولا يُشارك زملاءه الدرس، فأصدقاء البرامج الاجتماعية يشغلون باله وفكره دائما.
وأضاف: لا يخلو مكتب الاختصاصي الاجتماعي يومياً من شكاوى المعلمين والطلاب المتعلقة بالهاتف المتحرك، فهناك من يشتكي أن الطالب لا ينتبه للدرس، وهناك من يشتكي بأن الطالب يزعج زملاءه بأصوات الهاتف، وهناك من يشتكي من تصوير الطالب ونشر صوره في برامج التواصل الاجتماعي.
سلبيات استخدام الهاتف
تلعب التكنولوجيا دوراً هاماً في حياتنا، إلا أنها لا تخلو من الجوانب السلبية التي من شأنها أن تغير نمط حياة الفرد والمجتمع، فبالنظر اليوم إلى الهاتف المتحرك وما يحتويه من برامج تواصل اجتماعي، نجد أن معظم الطلاب تغيرت العديد من مبادئهم وقيمهم وأفكارهم بين ليلةً وضحاها. خلقت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من العلاقات الوهمية، والصداقات غير المقيدة بقيود، ولا مرسومة بحدود، حتى غدا الصديق المجهول أقرب إليهم من الأخ المعلوم، الأمر الذي زاد من تعلق الطلاب بهواتفهم.