يعد المسرح المدرسي واحداً من أهم البرامج، التي يحقق النشاط المدرسي من خلالها الكثير من أهدافه؛ حيث يمارس الطلاب من خلاله العديد من الأنشطة في مختلف مجالات النشاط، ففي المجال العلمي هناك مسرحة المناهج، التي تقدم من خلالها مجموعة من الموضوعات العلمية على شكل مسرح، وفي المجال الكشفي هناك الفرقة الكشفية، التي تمارس أحد الأنشطة الكشفية في المسرح المدرسي؛ من خلال تولي مهمة تنظيم الجمهور، أو من خلال حفلات السمر الكشفية، والهدف الرئيسي هو تحقيق نشاط تربوي حقيقي عن طريق المسرح.
وأجمع عدد من التربويين في حديثهم مع «الخليج» أن النشاط المسرحي المدرسي يعد جزءاً من المناهج الحديثة؛ فهو يساعد على تكوين عادات ومهارات وقيم وأساليب لازمة؛ لمواصلة التعليم؛ وللمشاركة في التنمية الشاملة، مشيرين إلى أن أهمية المسرح المدرسي وفاعليته تتجلى في رفع مستوى تحصيل تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي.
وأكدوا أن المسرح المدرسي يساعد الطلبة في توعيتهم بتراثهم وتاريخهم وحضارتهم، والتعرف إلى حياة الآخرين ومشاكلهم، وتنشئة الأطفال على القيم والأخلاق وكيفية التعامل مع الآخرين، وتنمية القدرة على التعبير والإلقاء، إضافة إلى علاج بعض جوانب القصور في النطق أو مواجهة الجمهور.
حول دور المسرح في تنشئة الأجيال، يقول الخبير التربوي إبراهيم بركة، إن المسرح المدرسي يعد أحد الأنشطة المهمة، التي تنمي في الطلبة الحاجات الأساسية كالحاجة إلى اللعب والحاجة إلى المعرفة والحاجة إلى تحقيق الذات، مشيراً إلى أن هذه الحاجات تساهم في صقل وتنمية شخصية الطلبة، فاللعب يعزز لدى الطالب مهارات الاستكشاف، واكتساب معلومات ومعرفة تنمي قدراته الذهنية، كما أن تحقيق الذات يمنح الطلبة إحساساً بأنهم يستطيعون أن يلعبوا دوراً مهماً في المجتمع، وتقديم كل ما هو مفيد.
وأضاف أن المسرح المدرسي يعزز لدى المتعلمين روح العمل ضمن الفريق، ويسهم في ربط حياتهم اليومية بالمدرسة.
مكونات الشخصية
وترى الخبيرة التربوية ومديرة مركز الفنون بالحمرية عائشة الشامسي، أن المسرح له دور كبير في الإسهام في نضوج مكونات شخصية الطفل الذهنية والجسدية والحسية والتعبيرية، وفي تكوين اتجاهاته وميوله وقيمه، الأمر الذي يساعد على تمكينه من التكيف مع بيئته.
وبيّنت أن منافسات الطلبة من خلال المسرح المدرسي تمكنهم من تقديم عروض تحاكي فضاءات تعبيرية تعزز ثقتهم في النفس، وتدفعهم إلى المزيد من الانطلاق نحو التميز؛ من خلال الفنون المسرحية والإبداعية المختلفة.
ويقول الخبير التربوي علي سيف حميد الجنيد، إن الهدف من المسرح يكمن في الاستفادة من إمكاناته؛ لتنشئة الطفل ذي الشخصية السوية المتكاملة نفسياً وخلقياً واجتماعياً وعلمياً، والعمل على دعم القيم الروحية والوطنية بين التلاميذ، كما يهدف أيضاً إلى ربط المسرح بالمواد الدراسية والأنشطة المدرسية المختلفة، ويعمل أيضاً على تنشيط الحياة المسرحية بين تلاميذ المدرسة، والكشف عن التلاميذ الموهوبين، وتنمية مواهبهم..
وأوضح أن أنشطة المسرح المدرسي، ليست مجرد متعة لسد فراغ الطفل؛ بل هو وسيلة تربوية؛ لنقل المعلومة العلمية الصحيحة، وكل ما هو نافع وناجح لبناء شخصيته وكيانه، عبر فنون المسرح وعالمه الخاص لما له من تأثير نفسي وسلوكي في حياة الطفل؛ حيث يعد متمماً للعملية التربوية برمتها.
معالجة الانطواء
أما الدكتور سالم زايد الطنيجي الأستاذ بكليات التقنية العليا، فيقول: إن المسرح المدرسي وسيلة لمعالجة الانطواء وعيوب النطق، كما أنه يحرك مشاعر الأطفال ويهذبها، وأيضاً هو وسيلة مهمة في تنمية الأطفال عقلياً ونفسياً واجتماعياً وعلمياً ولغوياً، وينمي التأمل والاستنتاج واستيعاب طاقته الحركية واستغلال نشاطه، إضافة إلى تنمية الروح الاجتماعية عند الأطفال، كما يوضح التواصل والتفاعل الحي والمباشر بين جماعة التمثيل على خشبة المسرح، وجمهور المشاهدين في المجتمع المدرسي، ويشجع التلاميذ على التفاعل مع النشاط المسرحي ونقده سلباً وإيجاباً.
وأضاف: إذا كان المسرح بمفهومه العام يخاطب كل الشرائح العمرية والاجتماعية على اختلافها المطلق؛ من أجل إيصال رسالة مهمة، فإن المسرح المدرسي يتجاوز بأهميته أبعد من ذلك بكثير؛ نظراً للفئة العمرية التي يستهدفها، هذه الفئة ذات الأذهان الرطبة، التي من السهولة تأسيسها على القيم الحميدة والسلوكيات السليمة؛ باعتبار أن المسرح وسيلة فاعلة وناجحة لتوصيل الأفكار والمعلومات، وترسيخها في أذهان المتلقين، بعد وضعها بقوالب درامية وحوارات شائقة وباستخدام لغة ومفردات سليمة، ونكون بذلك قد حققنا الهدف الأساسي؛ من خلال إيصال المعلومات وتثبيتها في أذهان الطالب.
الاضطرابات النفسية
ويرى الخبير التربوي محمد راشد رشود، أن معوقات العمل في المسرح المدرسي، تتلخص في غياب الكادر المسرحي المشرف على النشاط المسرحي في المدارس، وانعدام الوقت المخصص للمسرح المدرسي خلال اليوم الدراسي.
ولفت إلى انخفاض أعداد المشرفين المسرحيين، الأمر الذي يسهم في تدني مستوى المسرح المدرسي، وقال بالرغم من أن هناك معوقات تواجه المسرح المدرسي، إلا أن تجربة مسرحة المناهج شهدت بعض التجارب في مسرحة مواد دراسية؛ مثل: اللغة العربية والإنجليزية والرياضيات والتاريخ والجغرافيا وحتى مادة الكمبيوتر
وأضاف أن المسرح المدرسي علم قائم بذاته، ويحتاج من العاملين في الميدان التربوي من مديري المدارس والمعلمين مزيداًَ من الاهتمام؛ للاستفادة من هذه الوسيلة، مشيراً إلى أنه يلعب دوراً مهماً في معالجة الكثير من الاضطرابات النفسية كالخوف والخجل، إضافة إلى أنه يمتلك قدرة في إظهار كل الطاقات المكبوتة داخل الطالب؛ فهو يعيد التوازن النفسي إليه، ويحقق جاذبيته على المستويين الجمالي والذهني وأفاد أن النشاط المسرحي نشاط جماعي، فهو يهدف إلى إشراك أكبر عدد من الطلاب في عمل جماعي واحد، وهذا يعد دوراً إيجابياً للنشاط المسرحي المدرسي؛ حيث تبرز قدرته على نبذ العنف والأنانية والانطواء والخجل لدى بعض الأطفال، كما أنه ينمي لديهم روح الفريق والزمالة القائمة على المحبة والتعاون والثقة بالنفس فيما بينهم.
إقبال محدود كالنتائج
قالت عائشة الشامسي الخبيرة التربوية ومديرة مركز الفنون بالحمرية، إن النشاط المسرحي في المدارس ارتبط بالمسابقات السنوية، ولم تتخرج من المسرح المدرسي حتى المرحلة الحالية كوادر مسرحية جيدة للعمل في الأندية أو مسارح الشباب كما كان متوقعاً؛ بل لم يتقدم من حاملي الشهادة الثانوية العامة؛ لدراسة المسرح على امتداد السنوات العشر الماضية غير عدد قليل جداً من الطلبة لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة؛ بالرغم من أن البعثات الدراسية لدراسة المسرح كانت متوافرة باستمرار؛ لذلك يجب أن تتعدد الطرائق التي عن طريقها يتم تقديم المعلومة إلى الطفل عن المسرح؛ لأن الاقتصار على طريقة واحدة قد يكون غير مجدٍ في عملية تدريس الفنون.
فريق وطني
أعدت وزارة التربية والتعليم خطة تطويرية للمسرح المدرسي، وشكلت فريقاً وطنياً للمسرح المدرسي يتألف من عدد من طلبة جميع المراحل الدراسية، لما للمسرح من انعكاسات إيجابية عديدة على صقل شخصية الطالب.
وأولت اهتماماً كبيراً بالمسرح المدرسي، وجعلته ضمن مستهدفاتها لبناء جيل يتمتع بالمهارات الفنية، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من تكوين شخصية الطالب.
ووجهت بتشكيل الفريق وقدمت له كافة أنواع الدعم المادي والمعنوي من باب اهتمامها بمختلف الفنون المسرحية من تمثيل وإلقاء فردي أو جماعي وغيرها من الفنون والمجالات الإبداعية.