تحقيق: محمد إبراهيم
منافسة جديدة تخوضها المدارس الخاصة لتتواكب مع الاتجاهات الحديثة التي يخطوها التعليم الحكومي نحو التعلم الذكي، الذي يفرض على المدارس الخاصة تجهيز غرف الدرس بالتقنيات الحديثة ووسائل التدريس الذكية، وتوظيف التكنولوجيا بمتغيراتها في العملية التعليمية، بما يجسد مشهداً جديداً لتطوير التعليم في الإمارات، لكن إشكالية التحول الذكي في التعليم الخاص تكمن في بعض المدارس التي فرضت على أولياء الأمور رسوم تجهيز الفصول الدراسية وتحويلها من الحالة التقليدية إلى الذكية، على اعتبار أن الأمر متروك لولي الأمر في اختيار نوع التعليم لأبنائه، وهنا يبتعد المشهد عن التطوير، ليشكل أعباء جديدة على الأهالي بالمخالفة للوائح التي حددت التزامات المدارس وأولياء الأمور.. ما لهم وما عليهم.
غياب قانون ينظم آلية العمل في قطاع التعليم الخاص يعتبر أحد أسباب المشكلة، حيث ترك الباب مشرعاً أمام بعض القائمين على المدارس الخاصة في بعض إمارات الدولة للتربح من أولياء أمور الطلبة، وتطوير مدارسهم على حسابهم، عازفين على وتر عدم وجود عقد يربطهم بأولياء الأمور يحدد ماهية المصروفات، وهو ما تداركته هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، حيث ألزمت المدارس الخاصة بإبرام عقود مع أولياء الأمور تبين ما لهم وما عليهم.
في لقاءات متفرقة مع «الخليج»، أكد عدد من أولياء الأمور اعتراضهم على مطالب مدارس أبنائهم بالمساهمة في تجهيز الصفوف الدراسية لتصبح فصولاً ذكية، وكذلك رفض إلزامهم بشراء أدوات وأجهزة التعلم الذكي، مؤكدين أن بعض أصحاب المؤسسات التعليمية نجحوا في تحويل تلك المنظومة إلى سوق فوضوي، رافعين فاتورة التعليم أضعافاً مضاعفة، لتثقل كاهل أولياء الأمور برسوم إضافية باهظة غير مبررة، لاسيما أنها تتجاوز الرسوم المعتمدة.
بعض إدارات المدارس الخاصة نفت اعتمادها على جيوب أولياء الأمور لتجهيز الصفوف بالوسائل الذكية، معتبره أنها مسؤولية تقع على عاتق المدارس، بينما أقرت بعض الإدارات المدرسية أنها طالبت ولي الأمر بتوفير جهاز «آي باد» لابنه لتلقي دروسه إلكترونياً، على اعتبار أنه ملكية خاصة له، بينما رفض نوع ثالث من الإدارات المدرسية التعقيب، ولم تقدم أي إفادة حول آليات تحول فصولها وتعليمها إلى النظام الذكي.
وفي مداخلات لخبراء وتربويين وجهات معنية، أكدوا أن جميع تكاليف تطوير المدرسة وفصولها الدراسية، وتمكينها من التكنولوجيا، ووسائل تعليم طلابها، واستقطاب كوادر بشرية مسؤولية الملاك والإدارات، ولا يجوز الإجحاف بأولياء الأمور، أو مطالبتهم بسداد تكاليف تزيد على رسوم أبنائهم الدراسية.
«الخليج» تقف مع مختلف أطراف المشكلة التي ترسم ملامح مسارات التطوير في بعض المدارس الخاصة، وترصد معاناة أولياء الأمور من آليات تطبيق التطوير، ورأي الجهات المعنية في مدى شرعية الإجراءات التي تتخذها بعض الإدارات في هذا الشأن.
فاتورة التعليم
«إن التعلم الذكي ضرورة في عصر يتوالى فيه التطور التكنولوجي سريعاً في المجالات كافة، فالتقليدية في التعليم لم يعد لها وجود أمام زحف التكنولوجيا، للارتقاء بمستوى المدارس، وبيئتها وجودة خدماتها ومخرجاتها التعليمية».. هذا ما وصلت إليه شريحة من أولياء الأمور، ضمت سارة مصطفى، ومها عبد الله، ومحمد طه، وأم ياسين، وشما حمدان، وجاسم آل علي، لكنهم سجلوا اعتراضهم حيث طالبتهم إدارات مدارس أبنائهم بالمساهمة في تجهيز فصولها بالتكنولوجيا الحديثة، بهدف تحول نظام التعليم إلى تعلم ذكي.
ويرون أنه لا يجوز تحميل أولياء الأمور المزيد من النفقات، لاسيما أنهم ملتزمون بما أقرته اللوائح والقوانين من رسوم لتعليم أبنائهم.
معاناة جديدة
وفي وقفة مع شريحة أخرى ضمت مهرة آل علي، وليلى عبد الله، ومروة حسين، وحمد علي، وخليل محمود، وغسان غالب، أكدوا أن الرسوم الإضافية التي تفرضها بعض المدارس، في أي مرحلة من مراحل العام الدراسي، تشكل معاناة وأعباء متجددة، لاسيما أنها تحاكي عناصر أساسية مثل، الكتب الدراسية، والحافلات، والزي المدرسي، والاحتفالات والرحلات، واليوم نحن مطالبون بشراء أجهزة ذكية لابنائنا ليتعلموا، وعلينا أيضا تجهيز فصولهم الدراسية.
والتقت «الخليج» شريحة أخرى من أولياء الأمور تضم إيهاب زيادة، ومروان عبد الخالق، ومدحت وهبي، وعلياء السالمي لكن آراءهم اختلفت مع آراء الشريحتين سابقاً، إذ أكدوا أن مدارس أبنائهم بدأت في التحول الذكي منذ سنوات، ولكن لم تفرض عليهم سداد أي رسوم إضافية، ولا تقديم أي نوع من المساهمات لتجهيز الصفوف أو التطوير في البيئة المدرسية التزاماً بالقوانين، بل اقتصر الامر على شراء جهاز «آي باد»، ليكون مع الطالب في المنزل، يتلقى من خلاله دروسه وواجباته، ويتواصل مع معلمته وزملائه في الجلسات النقاشية التعليمية.
مساهمات مالية
أما التربويون منى الأحمدي، وإيمان غالب، وسمر أبو مرسة، وخالد عبد الحميد فقد أكدوا أهمية المدارس الذكية في تلك المرحلة، إذ تعتمد في تعليمها على التكنولوجيا أكثر من العنصر البشري، وهي مجهزة بتقنيات ذكية وتختلف فيها وسائل التدريس من القلم والطباشير إلى اللوح الذكي، والنقل الإلكتروني للوظائف المدرسية إلى الطلاب عبر البريد الإلكتروني.
تكلفة التعليم
أيد الخبير التربوي الدكتور عبد الله مصطفى، جميع الآراء التي تحث على التحول إلى التعلم الذكي لكنه رفض جملة وتفصيلا تحميل أولياء الأمور التكلفة التطويرية للمدارس، ويكفي أعباء التكلفة التشغيلية التي يتحملونها في مدارس أبنائهم، للحصول على خدمات تعليمية جيدة، موضحاً أن تكلفة التعليم، من القضايا المجتمعية المهمة، التي ترتبط بالتنمية وبناء الأجيال والمجتمعات، والتكلفة متغير حاسم ومؤثر في حياة أفراد المجتمع.
لا حق للمدارس
وفي وقفه معها أكدت حصة الطنيجي عضو مجلس إدارة جمعية المعلمين، أنه لا يحق للمدارس الخاصة مطالبة أولياء الأمور بسداد رسوم إضافية، حتى لو كانت في شكل مساهمة لتطوير البنية التحتية الذكية، أو تجهيز الصفوف للتعلم الذكي للأبناء.
وفي لقاء مع شروق جمال مدير تقنية المعلومات بإحدى المدارس الخاصة، أكدت أن الفصل الذكي يحتاج في إعداده إلى بنية تحتية متكاملة، تشمل سبورة ذكية والاتصال بالإنترنت، وأجهزة سمارت تي في، وطابعة إضافة إلى الكمبيوتر اللوحي للطالب، وتبلغ تكلفة تجهيز الصف الذكي الواحد ما يقرب من 35 ألف درهم، على ألا يزيد عدد الطلبة في الصف على 20 طالباً.
المدارس الحكومية.. لا مطالبات ولا شكاوى
من خلال عملية الرصد، تأكد ل «الخليج» عدم تسجيل أي شكوى لأولياء الأمور الذين يدرس أبناؤهم في المدارس الحكومية، ولم يشهد ميدان المدارس الحكومية أي مطالبة لأولياء الأمور بتجهيز صف دراسي أو تطوير بيئة تعليمية.
والتزمت وزارة التربية والتعليم بجميع التكاليف الخاصة بالتطوير أو الدمج أو الإحلال أو التجهيزات الذكية، دون المساس بحق الطالب في أن يتلقى تعليماً متميزاً، في بيئة تعليمية مطورة، ومتكاملة، تسهم في بناء أجيال قادرة على مواكبة المتغيرات والتطورات المتسارعة في المجالات كافة، ولم تبادر يوماً بمطالبة ولي الامر بسداد أي تكاليف تزيد على الرسوم الدراسية المعتمدة في مدارسها الحكومية.
أما هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، فحسمت إشكاليات الإدارات المدرسية وأولياء الأمور، حيث تم صياغة عقدٍ بين ولي الأمر والمدرسة، يضمن للطرفين مسؤولياتهم وواجباتهم، ويصب في مصلحة المدارس وعائلات الطلبة، إذ يحكم العلاقة بينهما بأحكام وشروط واضحة في صيغ تلزم الطرفين بكل شفافية ووضوح، من شأنها ضمان تقديم خبرات تعليمية فعالة للطلبة تنطلق من توفير التنشئة السليمة لهم.
مواجهة مع المدارس
وفي مواجهة مع عدد من مديري المدارس الخاصة، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، من الذين طالبوا أولياء الأمور بالمساهمة في تجهيز صفوف أبنائهم تكنولوجياً وشراء أجهزة ذكية لتعليمهم، أكدوا أن المدرسة ليست ملكية خاصة لمالك أو إدارة، بل تجمع ملكيتها أطرافاً عدة، تضم المالك والإدارة المدرسية وألياء الأمور والمعلمين والمشرفين، والعاملين أيضاً، وهنا ينبغي على ولي الأمر أن يكون عضوا فاعلا في المنظومة المدرسية، ولا مانع من مساهمته في تطوير البيئة التعليمية لابنه تفعيلا لدوره وتعزيزاً لمسؤوليته تجاه تعليم أبنائه.
ومن جانبهم أكد مديرو مدارس خاصة «أمل.ه، م.ح، س.م، سامح.أ، أ.سعيد»، أن الامر اختياري وليس إلزامياً لأولياء الأمور للمساهمة في تطوير البيئة التعليمية للأبناء.
في وقت رفضت إدارات مدرسية التصريح في هذا الشأن، رافضة الإجابة عن 3 أسئلة طرحتها «الخليج» عليها، تتمثل في «لماذا يتحمل أولياء الأمور تكاليف تطوير التعليم في تلك المدارس؟ ومن منح الحق لتلك المدارس في إلزام أولياء الأمور بتجهيز صفوف أبنائهم وتحويلها ل«ذكية»، ومدى تقديرهم للمساءلة القانونية من الجهات المعنية في هذا الشأن؟».