يعد المعلم للطالب بمثابة أب وأخ وصديق ومعلم، فكلما أجاد تلك الأدوار، يستطيع تحقيق نتائج مبهرة في مكونات الطلبة الشخصية، وارتفاع نسب تحصيلهم الدراسي، وتقدمهم العلمي، وبالتالي بناء أجيال متميزة، تتمتع بالإيجابية، وقادرة على مواكبة المستقبل ومتغيراته.
هكذا وصف خبراء وتربويون مفهوم العلاقة بين المعلم والطالب، لتحقيق جودة في المخرجات وبناء الأجيال، ولكن مع الأسف أخذنا الميدان التربوي إلى عدد من الشواهد التي تؤكد أن «التنمر» ليس سلوكاً سلبياً متعلقاً بالطلبة فقط، بل هناك أيضاً «تنمر المعلمين» الذين فقدوا القدرة على التعامل مع الطلبة بمختلف أعمارهم، الأمر الذي وصفه الخبراء ب«سلوك غير مسؤول يكشف التواضع المهني والتربوي» لدى بعض المعلمين.
في وقت أكد عدد من الطلبة، تعرضهم للتنمر من قبل معلميهم ومعلماتهم، نظراً لطلبات لا تتجاوز طلب الإذن للذهاب إلى «دورة المياه»، ليواجهوا بعدها صراخاً وسيلاً من ألفاظ التوبيخ، فيما أكد أولياء الأمور، معاناة أبنائهم من طريقة معاملة بعض المعلمات والمعلمين لأبنائهم، إذ اتخذوا الصراخ، والتوبيخ، والاستهزاء والسخرية، طريقة لتعليم وتأهيل الطلبة، موضحين أن العقاب النفسي والإساءات اللفظية، أثرت سلباً في المستوى التحصيلي لأبنائهم، وتراجعت دافعيتهم للذهاب إلى المدرسة، فضلاً عن ضعف تفاعلهم في الصف تجنباً لتلك الإساءات.
ويرى علم النفس أن تنمر المعلمين بالطلبة، وسيلة مرفوضة وغير تربوية، إذ إن أكثر من 80% من شخصية الإنسان تتشكل خلال السنوات الخمس الأولى، فإن تعرض الطفل للإيذاء لفظياً أو جسدياً، أثر في مكونات شخصية الطالب، وتبقى ملازمة له مستقبلاً، وتمتد لطريقته في تربية أبنائه فيما بعد، فالمعلم الذي يفكر في التنمر على الطلبة، غير قادر على استخدام الأساليب التربوية، وهنا تظهر أهمية التأهيل التربوي والأكاديمي لجميع فئات المعلمين.
«الخليج» رصدت عدداً من حالات تنمر المعلمين في الميدان التربوي، وتناقش مع الخبراء والتربويين وعلماء النفس الآثار المترتبة عليه، وسبل علاجها، حفاظاً على مكونات الشخصية لدى الأبناء في المدارس.
مشاهد مختلفة
المحطة الأولى كانت مع عدد من الطلبة في مختلف الأعمار، تعرضوا إلى التنمر من قبل معلميهم، إذ لخص كل من «عهد محمد، ويوسف فادي، وسالم علي، مهند عبدالله، شما حمدان، ميسون حجاج»، صور تعرضهم للتنمر في مشاهد مختلفة تضمنت «الصراخ بلا داع، والسخرية والإهانة أمام الزملاء، والتوبيخ، وعدم التوجيه، والاستهزاء بلا مبرر».
وأوضحوا أن تلك السلوكيات دائمة ومتجددة لدى معلماتهم ومعلميهم، وتعود أسبابها إلى أمور بسيطة مثل «طلب الذهاب إلى دورة المياه ، أو إعادة شرح جزء من الدرس، أو الاستفسار عن طريقة الإجابة، أو الشكوى من زميل أو زميلة داخل الصف»، مؤكدين أنهم يفضلون الدراسة في البيت عن الذهاب إلى المدرسة لتجنب طريقة المعاملة التي اعتادوا عليها خلال الدراسة.
الانفعال والضجر
لم تختلف آراء أولياء الأمور عما قاله الطلاب، إذ أكدوا أن شكاوى أبنائهم تأتي بسبب بعض المعلمين والمعلمات دائمي الانفعال والضجر، والتعامل بالشتائم والإهانات، موضحين أن الأبناء يكتسبون مفاهيم وعادات سلبية بسبب تلك السلوكيات، أبرزها «الجفاء العاطفي، والانفعالات دون قيود، وأسلوب الاستفزاز، فضلاً عن الفوضى والتردد والخوف والتناقض والتسيب والاستهتار» وجميعها تسهم في إيجاد اضطرابات نفسية لدى الطالب.
وأكدوا أهمية القيم الأخلاقية في السلوك والفكر التي من واجب المدرسة أن تنميها في نفسية الطالب، لبناء جيلٍ واعٍ راقٍ، وإيجابياً يستطيع مجابهة تحديات المستقبل، ولن يتحقق ذلك في ظل تنمر بعض المعلمين الذين يستخدمون القسوة في تعليم الأبناء.
أمر مبالغ فيه
في المقابل التقت «الخليج» في المحطة الثانية، بعض المعلمين المشكو في حقهم، «فضلوا عدم ذكر أسمائهم»، إذ أكدوا أن ما جاء على لسان الطلبة وأولياء الامور، مبالغ فيه، وصراخ المعلم على الطالب لا يعني أبداً أنه يتنمر به، فقد يأتي تعنيف الطالب من أجل معالجة بعض السلوكيات السلبية التي لم يرها ولي الأمر في ابنه خلال اليوم الدراسي.
وحول استخدامهم أساليب التوبيخ أو الإهانة والشتائم مع الطلبة في المدرسة، نفوا اتباعهم هذا الأسلوب، مؤكدين احترامهم لقداسة منابر العلم، واللوائح التي تلزم جميع المعلمين بعدم التنمر بالطلبة، أو استخدام أي أساليب قد تؤذي مشاعرهم، مؤكدين أهمية تواصل أولياء الأمور معهم للوقوف على المستويات العلمية لأبنائهم، ومدى التزامهم بالقواعد واللوائح في حرم المدرسة.
ترغيب وترهيب
يرى التربويون والمعلمون، «صالح فاضل، وخلود فهمي، وريبال غسان عطا، وخالد عبد الحميد، ومجد عبد الله»، أن المعلم أو المربي يحتاج إلى استخدام الترغيب والترهيب بنسب متفاوتة جدا، بحسب الموقف وحالة الطالب وسلوكياته، فهناك طلاب مؤهلون أدباً وعلماً، وخلقاً، وما على المعلم إلا الحفاظ عليه ودعمه وتشجيعه، وتنمية جوانب النمو المختلفة لديه، على أن يكون لديه القدرة على التعامل مع سلبيات الطلبة بأساليب علمية وتربوية، بدءا بالجلوس مع الطالب مروراً لأسباب وجود السلوكيات السلبية، وصولاً إلى خطة علاجية لتعديل تلك السلوكيات، وهذا كله بعيداً عن التوبيخ أو الاهانة لتجنب ردود فعل معاكسة تفاقم من إشكالية الطلبة السلوكية.
وأكدوا أن المتنمرين من المعلمين، مخالفون لأسس تربية وتعليم الأبناء، فالتوبيخ والإهانة والصراخ ليست علاجاً، لما لها من آثار سلبية جسيمة في العملية التربوية، والعلاقة بين الطالب والمعلم، ويجب أن تكون هناك برامج توعوية متجددة للمعلمين نظرياً وعملياً حول عملية التأديب الطلابي.
عملية التأديب
الخبير التربوي الدكتور وافي الحاج، يرى أهمية وجود برامج متخصصة لتأهيل المعلمين وتدريبهم على التعامل مع الطلبة، لاسيما فيما يخص عملية التأديب، إذ إن عملية السلوك تختلف من طالب لآخر، وهنا ينبغي أن يتمتع المعلم بالمرونة اللازمة، والوسائل المتنوعة للتعامل مع كل طالب بحسب سلوكياته واتجاهاته.
وأكد أن التنمر أمر مرفوض في المجتمع التعليمي سواء من الطالب أو المعلم، إذ يعد حاجزاً بين المعلم والطالب، ويفرز نتائج سلبية ويضيع جهود المعلم التعليمية، مهما كان حجمها، فضلا عن فقدان الطلبة للدافعية نحو التعليم، والتهرب من المدرسة، وعدم رغبتهم في لقاء معلمهم، وجميعها شواهد تؤثر سلباً في مخرجات التعليم.
مآخذ تربوية
الاختصاصية في علم النفس أمل مجدي، ترى أن سياسة معاملة المعلم للطالب يجب أن تأخذ مآخذ تربوية، تتمثل في ضبط الانفعال والصمت عن الألفاظ الجارحة والمسيئة، فإن أهم المهارات التربوية للمعلم تكمن في: العطاء في الحب ونشر القيم وضبط الانفعال. وأكدت أن تنمر بعض المعلمين على الطلبة في المدرسة، يدفع بالطالب إلى العزلة والانطواء والانسحاب من المجتمع، أو إلى إثبات ذاته بردود فعل عدائية تتسم بالعنف والمشاكسة وغيرها من السلوكيات المنحرفة اجتماعياً وأخلاقياً، وتؤدي الآثار السلبية في هبوط مستوى التحصيل الدراسي، والتأخر عن المدرسة، والغياب المتكرر، وعدم المشاركة في النشاط الصفي والطلابي، والتسرب الدائم والمتقطع، ويعد التنمر على الطلبة من الأسباب الرئيسية للتسرب من المدرسة، حيث ينظر الطالب إلى المدرسة وكأنها مؤسسة للترهيب والتخويف والعنف وليست مؤسسة اجتماعية ترعى وتبني شخصيته، موضحة أهمية طريق الحوار والكلام الأبوي والطرائق التربوية، إذ تعد الوسائل الأفضل للنهوض بمستوى الطالب وتحقيق أهداف التربية والتعليم.
سلوكيات معادية
أظهرت بحوث حديثة أن العلاقة بين المعلم والطالب تتحدد بنوع من التفاعل الذي يحدث بينهما داخل المدرسة، حيث يؤثر في التحصيل الدراسي، وهذا الأمر مرتبط بأنماط سلوك المعلم داخل الفصل، فهناك المعلم الذي يلجأ إلى وسائل التهديد والوعيد والإكثار من أشكال العنف اللفظي، والتقليل في المقابل من كل أشكال التعزيز والمدح، وهذا الأسلوب من التعامل من شأنه أن ينمي روح التمرد والعصيان لدى الطلبة، ويضطرهم إلى اتخاذ مواقف وسلوكيات معادية.
لوائح وتعليمات
أكد عدد من القائمين على التعليم في الدولة، أن التوبيخ والإهانة والصراخ، أساليب لاتليق بالعملية التعليمية، إذ إن هناك أساليب يستطيع المربي الناجح، الاستناد إليها في كسب الطالب وتشجيعه وتطويعه لفهم المادة، واتباع العديد من الطرق الناجحة للاستيعاب والفهم بالطريقة المثلى، لبناء علاقات طيبة مع الطلبة، موضحين أن التعليمات صريحة، واللوائح واضحة في منع التنمر بأشكاله، سواء بين الطلبة أو من المعلم للطالب، وينبغي على الجميع الالتزام تربوياً وتعليمياً.