التعليم عن بعد لن يكون حلاً مؤقتاً لحين زوال جائحة كورونا؛ بل سيكون قطعياً البديل للتعليم التقليدي أو شريكاً له، وسيواكب طلبتنا في أعوامهم المقبلة، هذا ما اعتبره كوكبة من الأكاديميين المعنيين بالشأن الجامعي في الدولة، الذين أكدوا ل«الخليج» أن ما يسمى التعليم «الهجين»، أو «المزيج» سيسطر على المرحلة المقبلة، وستُكتب مرحلة جديدة من تاريخ التعليم، وسيصبح أحد توجهات منظومة التعليم والتدريب في الإمارات والعالم.
كل هذا سيتم بسلاسة بفضل الجاهزية الكاملة التي يتمتع بها قطاع التعليم في الدولة.
تقييم تجربة التعليم الذكي أو التعلم عن بعد، كما يراها الأكاديميون، ومستقبل التعليم في الدولة، كانا محور هذا التحقيق للتعرف إلى تحليلاتهم وآرائهم:
جامعة دبي
أما عيسى البستكي رئيس جامعة دبي فيقول: «علمتني تجربة كورونا المستجد أموراً كثيرة من أهمها أن التكنولوجيا كانت موجودة في السابق منذ 2004، حين تأسست حكومة دبي الإلكترونية، ولحقها في عام 2012 برنامج التعلم الذكي الذي أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله؛ أي أننا مررنا بالتعليم الذكي من دون ذكر، ما يعني أن البنية التحتية كانت جاهزة لتأخذ على عاتقها كل التطبيقات العملية في الدولة على مستوى الحكومات والجامعات والشركات والمؤسسات وغيرها، وهذا ما ساعدنا على تجاوز هذا الأمر بسلاسة.
فعلى سبيل المثال نحن في جامعة دبي وفي برنامج تدريب، نستخدم الأشياء التنفيذية عن بُعد مع جامعة ميتشجان الحكومية في برنامج «ايديوتيك»، وكذلك في بعض المساقات وخاصة الدكتوراه التي تتطبق برنامج «زووم» للمناقشة والتقييم عن بعد».
واستطرد قائلاً: «ما نحتاجه الآن هو قرار لتطبيق التعليم عن بعد دون جامعات من قبل وزارة التربية والتعليم. فجائحة كورونا أثرت إيجاباً في مستوى التعليم، إنْ في المدارس أو في الجامعات؛ بل إن نسبة الحضور 95%، لعدم اضطرار الطلبة للتنقل من هنا إلى هناك، وكذلك نتائج الامتحانات النهائية لم تختلف؛ لأن الناس استوعبوا ثقافة التعامل مع هذا المرض وأخذوا الإجراءات الاحترازية».
وختم قائلاً: «إن الحل الأوفق في المرحلة المقبلة هو التعليم الهجين أو المزيج بين التعليم الإلكتروني والتعليم العادي».
كلية الإدارة الحكومية
من جانبه أكد الدكتور علي بن سباع المري الرئيس التنفيذي لكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، أن التعليم عن بعد أصبح أحد توجهات منظومة التعليم والتدريب في الإمارات والعالم، خاصة في ظل تداعيات وباء كورونا المستجد «كوفيد 19»، وقرارات الحكومات باستمرار التعليم عن بعد لكافة طلاب المدارس والجامعات.
وقال: «إن التعليم عن بعد كان أحد مكونات التعليم في مختلف دول العالم، إلا أن الأزمة الأخيرة سرعت من اعتماده كآلية عملية لاستمرار منظومة التعليم بكامل كفاءتها وجودتها».
ومن الواضح أن التعليم عن بعد سيعمل بالتوازي مع نظم التعليم التقليدي، حيث سيسهم في ضم شرائح أكبر ممن لا يستطيعون حضور الفصول الدراسية للعديد من الأسباب، وهو ما يستلزم اعتماد آليات وإجراءات محددة، تتضمن الإسراع بإنشاء البنى التحتية التكنولوجية المؤهلة لتشغيل أنشطة التعليم عن بعد، واتخاذ ما يلزم بشأن تفعيل الدور الرقابي للمدارس والجامعات عن بعد.
جامعة الشارقة
ويؤكد ذلك الدكتور حميد مجول النعيمي مدير جامعة الشارقة بقوله: «كنا كجامعة من أولى جامعات الدولة التي سارعت إلى تطبيق نظام التعلم عن بعد، بمجرد أن قررته السلطات المختصة، في إطار مواجهة هذا الوباء المتمثل في جائحة كورونا، اعتماداً على الخبرة التراكمية لأعضاء الهيئات المختصة التدريسية والإدارية والفنية بالجامعة، واستخدام التقنيات الحديثة في العملية التعليمية سواء في مقر الجامعة الرئيسي في الشارقة، أو من خلال التواصل الإلكتروني بين أفرعها في مدن ومناطق الإمارة الأخرى، إضافة إلى ما تمتلكه الجامعة من بنية تقنية تحتية متميزة، ومصادر تعلم شاملة وخبرات بشرية مؤهلة على المستوى الأكاديمي والإداري والفني».
وأشار إلى أنه من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع في ما يتعلق بهذا الوباء، ففي الوقت الذي نأمل فيه جميعاً زواله نهائياً، وعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي، فإنه علينا أن نضع في الاعتبار أن تلك العودة قد تستغرق وقتاً ربما يكون طويلاً، لهذا علينا ضمان استمرار العملية التعليمية والبحثية، حرصاً على مستقبل الطلبة تحت أي ظرف، نظراً لعدم وضوح ظروف هذا الوباء تماماً. وستستمر الدراسة في جامعة الشارقة وأنشطتها الأخرى بتطبيق الأسلوب المرن الذي يجمع ما بين التعلم عن بعد وحضور الطلبة إلى مقر الجامعة في جزئيات معينة من البرامج، مع الأخذ بعين الاعتبار تطبيق كل معايير السلامة والأمان الصحية والشخصية.
ولا تفوتني الإشارة هنا إلى أن تجربة التعلم عن بعد، أفرزت خلال الأشهر الماضية خيارات وفرصاً جيدة لدمج التكنولوجيا في العملية التعليمية، بما يحفز وينمي الخبرة الطلابية ويحسّن مخرجات العملية التعليمية، وهو ما سنحرص على تطبيقه الآن ومستقبلاً.
أمريكية الشارقة
وأكد البروفيسور كيفين ميتشل مدير الجامعة الأمريكية في الشارقة، أنه من الطبيعي أن يؤدي التغيير غير المتوقع في أسلوب التعليم مع بداية الفصل الدراسي، إلى ظهور عدد من التحديات واجهت الطلبة والهيئتين التدريسية والإدارية، إلا أن الجامعة كانت وضعت منذ عدة سنوات نظم إدارة تعليم وتكنولوجيا شاملة، تستطيع من خلالها دعم عملية التعلم عن بعد، إضافة إلى نظام افتراضي فعال لدعم تكنولوجيا المعلومات، وبالتالي استطعنا أن نحقق النقلة نحو التعلم عن بعد في وقت مبكر، وبدأنا تقديم حصص التعلم عن بعد في 8 مارس.
إن الابتكار الذي شهدناه في الجامعة كان استثنائياً، وهو ما سمح بتقديم حصص المختبرات ومساقات في مجالات الموسيقى والرسم والتصميم عبر الإنترنت. كما أننا محظوظون بأن الجامعة لديها مكتبة يمكن وصفها بأنها واحدة من أفضل المكتبات في المنطقة، وقد استطاع الطلبة والأساتذة من خلالها الوصول إلى مجموعة كبيرة من المصادر الرقمية حول العالم.
جامعة الوصل
ويرى الدكتور محمد عبد الرحمن، مدير جامعة الوصل، أن تجربة التعليم عن بُعد بدأت في ظروف استثنائية لم يكن معلناً عنها من قبل، وعلى الرغم من ذلك فقد حققت التجربة نجاحاً كبيراً، وساعدت على هذا النجاح البنية التحتية والتقنية المتقدمة لدولة الإمارات.
وأضاف: «أعظم نجاح لعملية التعلم عن بُعد، هو استمرار الطلبة في دولة الإمارات في ممارسة العملية التعليمية بيسر واقتدار، في وقت توقف فيه كثير من طلبة دول العالم عن ممارسة حقهم في التعليم.
وإذا أردنا تقييم تجربة التعليم عن بُعد، فيجب أن نرى ماذا حققنا خلال الفترة الماضية، فمنذ البدايات الأولى لإعلان وزارة التربية والتعليم البدء بتجربة التعليم عن بُعد، بدأت كل المؤسسات التعليمية تنفيذ توجيهات الوزارة بتوفير وسائل التعليم عن بُعد، والعمل على ضمان نجاح التجربة، وسط تعاون من الطلبة والأساتذة والأقسام التقنية في الجامعات والمدارس».
ويمكن القول إن تجربة التعليم عن بُعد خلال أزمة كورونا، أثبتت نجاحها بجدارة وكفاءة عاليتين؛ بل حققت كثيراً من الفوائد، ووفرت كثيراً من الوقت والجهد لذوي الطلبة وأبنائهم، وكشفت جوانب إيجابية كثيرة.
كما أن التعليم عن بُعد يمثل نقلة نوعية للطلبة نحو إكسابهم مزيداً من المهارات التكنولوجية التي أصبحت من ضرورات الحياة.
وفي ظل استمرار جائحة كورونا، من المقترح أن يكون التعليم عن بعد مستمراً، ولا شك في أن نجاح تجربة التعليم عن بُعد ستساعدنا على الاستمرار فيه حتى انحسار تأثير هذه الجائحة.
الجامعة القاسمية
وقال الدكتور رشاد سالم مدير الجامعة القاسمية: «لا شك في أن الدراسة عن بعد تستوجب كثيراً من الأجهزة والبرامج المعينة، ولكن بحمد الله وبتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، أعددنا هذه الأشياء المطلوبة فور حدوث جائحة كورونا، وتم استكمال الفصل الثاني والانتهاء من الامتحانات، وها نحن في الفصل الصيفي والدراسة عن بعد، من دون أي شكوى من أي طالب أو طالبة، وسنرى مستقبلاً وبحسب تطور الأوضاع كيف ستؤول الأمور، فإما أن تكون طبيعة الدراسة عن بعد، أو يكون نصف المواد أو بعضها عن بعد.
وقد أعددنا العدة لمثل هذه التوقعات الثلاثة؛ لذا وضعنا الجداول في هذا الإطار، هناك جداول دراسية طبيعية، وأخرى عن بعد، مراعين دمج المحاضرات لتقليص العبء التدريسي على بعض المدرسين، إلى جانب ما تقوم به الجامعة من إجراءات احترازية حسب توجهات الدولة، وتوجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة الأبوية التي وجهها لأبنائه للمحافظة على أنفسهم».
منحنى تعليمي جديد للمرحلة المقبلة
أكد الدكتور عبد اللطيف الشامسي مدير مجمع كليات التقنية العليا، أن تجربة التعلم عن بُعد وإنْ جاءت تحولاً في التعليم استجابة للظروف الاستثنائية في ما يتعلق بانتشار فيروس «كوفيد 19»، إلا أنها لا تمثل حلاً مؤقتاً؛ لأن التعليم لن يعود كما كان عليه الحال من قبل، حيث جاءت هذه الظروف لتسرّع تنفيذ رؤى وخطط تتعلق بالتعلم الذكي القائم على الاستثمار الأمثل للتكنولوجيا، بما يتناغم مع شغف وطبيعة جيل اليوم.
وأضاف أن التعلم عن بُعد، حقق نتائج ومكتسبات كبيرة أهمها تمكين الطلبة على مستوى الدولة، من مواصلة دراساتهم بنجاح، في حين أن ملايين الطلبة حول العالم لزموا منازلهم ولم يتمكنوا من مواصلة دراساتهم بسبب الفيروس، مشيراً إلى أن هذا النجاح تحقق بفضل رؤى وتوجهات قيادة حكيمة تستشرف المستقبل، وتستثمر في التعليم لضمان غد أفضل للأجيال الحالية والقادمة.
وأوضح أن طلبة كليات التقنية خاضوا مرحلة التعلم عن بُعد بنجاح، وتمكنوا من إنهاء دراساتهم. واعتبر أن التعليم لن يعود كما كان، وأنه أخذ منحنى جديداً للمرحلة المقبلة، وسينطلق نحو منظومة «هجينة» تجمع ما بين التعليم الاعتيادي داخل الفصول والتعلم عن بُعد، مشيراً إلى أن هذا التوجه فرض نفسه بقوة، خاصة في ظل المكتسبات التي تحققت خلال هذه المرحلة.
إطلاق منصة إلكترونية للتعليم المصرفي
قال جمال الجسمي المدير العام لمعهد الإمارات للدراسات المصرفية والمالية: «انطلاقاً من قول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله: «عالم جديد ينتظرنا يتطلب أدوات مختلفة، وأولويات جديدة، ودولتنا ستكون الأكثر استعداداً، والأسرع نهوضاً بإذن الله»، سيشهد مستقبل التعليم والصحة والعمل الحكومي والاستثمار والتجارة وبنيتنا الإلكترونية، تطورات جديدة لمواكبة المستقبل. وتماشياً مع هذه الرؤية الواعدة والرشيدة نحن في معهد الإمارات للدراسات المصرفية والمالية، من واقع مسؤوليتنا، نطمح أن نؤسس مستوى تعليمياً جديداً يواكب متطلبات المستقبل، من خلال إطلاق أول منصة إلكترونية للتعليم المصرفي بمواصفات مختلفة، تكون فيها قدرة الاستجابة والتعاطي مع تقنيات التكنولوجيا بشكل أسهل، بهدف تطوير كوادرنا الوطنية ومواكبة متطلبات المستقبل».