الأبناء والصيف.. قضية كل عام، لكن العائلات تواجهها هذا العام في ظل مخاوف من الإصابة بفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19».. ورغم تخفيف الإجراءات، والسماح للأفراد بممارسة الأنشطة في الأماكن المفتوحة كالحدائق، والشواطئ، إلا أن معظم العائلات لا تفضل ذلك لأبنائها في هذه الأجواء الحارة، حيث تفكر الأسرة مليّاً في البحث عن طرق جديدة آمنة تتيح لأبنائها ممارسة نشاطهم، وهواياتهم، واكتشاف مهاراتهم لقضاء وقت الفراغ لدفع الملل عنهم، والمرور من أزمة الصيف و«كورونا».
معايير السلامة
بعض العائلات اعتبرت البرامج والأنشطة الافتراضية، ملاذاً آمناً لأبنائها خلال فترة الصيف، ورأى التربويون في العطلة فرصة لتنمية قدرات ومهارات الطلبة، فيما نبَّه مسؤولون، الأسر إلى ضرورة اختيار الألعاب المناسبة لأبنائهم صحياً، ونفسياً، مع مراعاة احتياجات كل مرحلة سنية.
«الخليج» بحثت، وتابعت مع عدد من التربويين، والمهتمين، وأولياء الأمور، مدى استفادة الأبناء من وقت الفراغ، والبرامج والأنشطة الافتراضية الصيفية التي تخطط لها وتنفذها بعض الجهات التربوية والتعليمية، لتوسعة وتنمية مدارك الأبناء وتهيئتهم بشكل جيد للعام الدراسي الجديد، والتي حظيت بترحيب الطلبة وأولياء الأمور.
خيارات محدودة
في البداية، يقول عامر الحمادي، وكيل دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي، إن الطلبة وأولياء أمورهم بذلوا جهوداً عظيمة لاستكمال العام الدراسي في ظل ظروف استثنائية، ويستحقون بالغ التقدير لالتزامهم اللامتناهي خلال فترة التعليم عن بُعد، وقدرتهم العالية على التأقلم مع التغييرات المفاجئة التي شهدناها في نموذج التعليم، مشيراً إلى أن فصل الصيف هذا العام يختلف كثيراً عن السنوات السابقة، خاصة مع محدودية خيارات الترفيه. وترسيخاً لالتزام الدائرة بدعم أسرتها الكبيرة من الطلبة، وأولياء الأمور، فقد حرصنا على إطلاق حملة «مسيرة التعليم مستمرة» هذا الصيف، التي تجمع نخبة من روّاد مقدّمي الترفيه التعليمي وتطوير برامج التعلّم، وتوفر مجموعة متكاملة من الأنشطة والبرامج التعليمية والترفيهية الافتراضية التي تضمن استمرارية المسيرة التعليمية للطلبة بأساليب مبتكرة، يقضي معها الأبناء من مختلف الأعمار أوقاتاً مملوءة بالمرح، والتعلم، وخوض التحديات، والمنافسات، والمسابقات.
وعن البرامج الإثرائية الصيفية التي تنفذها الدائرة (افتراضياً)، لمساعدة طلبة الصفوف (8-12)، يقول وكيل الدائرة، إنها صممت لمساعدة الطلبة على استكشاف إمكاناتهم، من خلال تمكينهم من التعرّف إلى أفكار جديدة، تؤهلهم للمرحلة المقبلة من مسيرتهم التعليمية، ومن ضمنها برنامج التوجيه الجامعي والمهني الذي يوفر الإرشاد للطلبة حول خياراتهم الجامعية، والمهنية، إضافة إلى الاختبارات المعيارية للقبول الجامعي مثل «ساتس»، و«آيلتس»، وغيرهما من الجلسات الحوارية، التي تشارك فيها أهم الجهات والشركات العالمية في قطاع التقنية، ووكالة الإمارات للفضاءن وغيرها.
حماية الأبناء
تؤكد الدكتورة ليلى الهياس، مديرة إدارة الأسرة والمجتمع بدائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، أن جائحة «كورونا» التي يمر بها العالم، أثرت كثيراً في الروتين اليومي، والجدول الوقتي للأسرة، وأصبحت تعيش معطيات جديدة، كما أصبح الأبناء يقضون أوقاتاً طويلة أمام أجهزة الكمبيوتر، مشيرة إلى أن ما يقارب 87% من المشاركين أكدوا في استبانة دائرة تنمية المجتمع - أبوظبي، أنهم يقضون معظم وقتهم في ألعاب الفيديو، خاصة أيام الحظر في المنازل، والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه كتربويين، وأخصائيين، وآباء كيف نحمي أبناءنا من المخاطر الناجمة عن هذه الألعاب؟ والإجابة عنه هو أن تعي الأسرة محتوى ماذا يلعب أبنائها على كمبيوتراتهم الشخصية، أو الثابتة، وعليها أن تختار لهم الألعاب التي تتناسب وأعمارهم، وتحديد وقت لا يتجاوز الساعتين للأعمار التي تقع ما بين 6-12 عاماً، وتكون ممارسة الألعاب الإلكترونية ثلاث ساعات فقط، في اليوم، لمن هم أكبر من هذا العمر، وأن تحدد لهم مكان استخدام الكمبيوتر، كأن يكون في غرفة المعيشة التي يتشارك فيها كل أفراد الأسرة، وتجنب إدخال الكمبيوترات إلى غرف النوم، أو أي غرف مغلقة، مع إسداء النصح والتوجيه المستمر للأبناء في تجنب الحديث مع الغرباء خلال استخدامهم وسائل التقنية حتى لا يتعرضون لبعض السلوكات الخطرة، مثل التنمر، وغيره، محذرة من الآثار المترتبة على الصحة النفسية والاجتماعية للأبناء، جراء استخدامهم الألعاب الإلكترونية لوقت طويل.
تنمية المهارات
الأخصائي الأسري والاجتماعي خالد المنصوري، يؤكد أهمية أن يتلمس الأهل مواهب الأبناء على اختلافها، اليدوية، والعقلية، وتنمية المهارات الموجودة، سواء بالرسم، أو القراءة، أو الكتابة، وتنمية المهارات الرياضية، لافتاً إلى أهمية تفويض بعض المسؤوليات التي تشغل الوقت للأبناء، مع نوع من المتعة، بمراعاة الرغبات لديهم، فمنهم من يحب أعمال المطبخ، وترتيب المنزل، والبعض يحب العمل في حديقة المنزل، فيما يقبل آخرون على ممارسة الثقافة عن بعد بالدخول على المواقع الثرية بالمعلومات، وعلى الأهل استغلال قدرة الأبناء على استخدام الأجهزة الذكية في ذلك، وهذا لا ينفي التوجه للألعاب اليدوية التي تنمي المهارات والتفكير، مع أخذ الحيطة والحذر، واختيار الأماكن الامنة.
برامج افتراضية
العديد من أولياء الأمور أكدوا مشاركتهم عشرات الأنشطة الترفيهية واللعب مع الأبناء خلال هذه الإجازة الاستثنائية، وتقول روان ياقوت، أم لثلاثة أبناء ذكور، في المرحلة الأساسية، إنها اعتادت في كل عطلة صيفية تسجيلهم في احد النوادي الرياضية المخصصة لتدريب كرة القدم؛ إذ يمضون ساعات ممتعة، ولكن هذا العام شارك أبناؤها في البرامج الأكاديمية، والانشطة الترفيهية الصيفية الافتراضية التي تنفذها الجهات التربوية والتعليمية على منصاتها الإلكترونية، التي استفاد منها عدد كبير من الأبناء.
رحاب حسن الفاتح- ولية أمر- تشير إلى أنها تقسم الوقت في متابعة أبنائها لدروسهم، كما خصصت جزءاً من الوقت في السماح لهم باللعب في حديقة المنزل، وشاركتهم بعض الأنشطة اللاصفية الافتراضية، ومتابعة البرامج الأكاديمية التي استفادوا منها كثيراً، ولكن ما يزيد حيرتها الآن هو عودتها للعمل في مؤسستها خلال أيام، ولن يكون بمقدورها متابعتهم، وهم أمام أجهزة الكمبيوتر، ولكنها على ثقة بأن محتوى البرامج التعليمية والأنشطة االترفيهية ستشدهم إليها، ولا يلتفتون إلى برامج لا تناسب أعمارهم، أو تعرضهم للخطر والتنمر الإلكتروني.
تهيئة الأبناء
وعن دور الأسرة وتطلعها لاستغلال أيام الإجازة بالمفيد لأبنائها، يقول احمد الطنيجي- ولي أمر- إن بعض الأسر تتطلع باهتمام إلى استغلال أيام الإجازة الصيفية لتهيئة أبنائها للعام الدراسي الجديد بمعنويات عالية، حيث تجد في هذا الوقت فرصة طيبة للتخفيف عنهم من ضغوط الدروس التي تلقوها خلال عامهم الدراسي، وقد استفاد أولياء الأمور من هذه الفترة بشكل جيد، خاصة في ظل جائحة «كورونا» التي عززت كثيراً من التماسك الأسري، وعززت العلاقة بين الطالب، وعائلته، حيث كرست الأسرة جهودها في تنمية حب التعلم والمثابرة في نفوس أبنائها من خلال منظومة التعلم عن بعد، كما نظمت لهم ساعات الفراغ الطويلة خلال العطلة الصيفية لتوسعة وتنمية مداركهم، وتهيئتهم بشكل جيد للعام الدراسي الجديد.
أنشطة إثرائية
ويشيد معتز عبدالنور- ولي أمر- بالبرامج الافتراضية التي حددتها الوزارة لصيف هذا العام، والتي تتضمن الأنشطة الإثرائية، والبرامج الأكاديمية، منها برنامج براعم المستقبل، وتمكين، ودبلوم الصغار، والفلسفة للمعلمين، مشيراً إلى أنه لمس تجاوب أبنائه معها لكونها برامج تكسبهم مهارات حياتية، وإبداعية، وتستثمر طاقاتهم، وتكتشف هواياتهم، مشيراً إلى أن تلك البرامج جاءت لتطويع وتسخير كل الإمكانات للارتقاء بالتعليم في الدولة.
نصح وإرشاد
تقول نوال البشير- معلمة التربية البدنية، إن ما يثير قلق الأهل هو إقبال الأطفال على الألعاب الإلكترونية بشكل مضاعف، في حال اضطروا للبقاء في البيت لساعات طوال، من دون الخروج لممارسة أي نشاط بدني، وترفيهي، كما اعتادوا عليه في السنوات الماضية، فمنهم من كان ينتظر العطلة الصيفية لتعلم السباحة، وكرة القدم، واخر كان يكتشف في الأندية العلمية قدراته التعليمية عبر الأنشطة اللامنهجية، ويقع الدور اليوم على الأسرة، والتربويين، لتقديم النصح والإرشاد للأهل في كيفية احتواء الأبناء في هذه العطلة الاستثنائية.
تنظيم الوقت والمحتوى
وتدعو ياسمين بليق، مديرة مدرسة خاصة، أولياء الأمور إلى البدء بترتيب أمورهم الداخلية في كيفية إشغال هذه العطلة الاستثنائية والاستفادة من تجربة التعليم عن بعد، لملء أوقات أبنائهم بما هو مفيد، مشيرة إلى أن الأمر ليس صعباً، ولن يكون مقلقاً إذا أحسن الآباء والأمهات ترتيب وتنظيم الوقت والمحتوى، آخذين في الاعتبار ميول أبنائهم، ورغباتهم، وقدراتهم، مع تأكيد أهمية تواصل التعليم للطلبة في المرحلة التأسيسية، لكونها مرحلة تعتمد على بناء المهارات التراكمية.
تحفيز
توضح عائشة اليماحي، مستشارة «ألف للتعليم» أن شركة ألف للتعليم، بالت عاون مع كليات التقنية العليا، ومستشفيات كبيتال هيلث، نظمت برنامجاً صيفياً مرئياً عبر الإنترنت ل3100 طالب، وطالبة، في الصفوف 7-12 من خلال 63 حصة افتراضية، لاستغلال وقت فراغ الأبناء في فترة الإجازة الصيفية في كل ما يفيدهم، ويزيد من وعيهم بأهمية الرعاية الصحية لأنفسهم، ولعائلاتهم، ولمجتمعهم، مشيرة إلى أن الحصص تتميز بالتحفيز والشغف للأجيال الحالية في مجال التمريض والرعاية الصحية، وتزودهم بالمهارات العملية الأساسية اللازمة للعمل في المستشفيات والعيادات مستقبلاً.
معايير السلامة
يؤكد فيصل الدرمكي، مسؤول النشاط المسرحي، أن إطلاق باقة الأنشطة الصيفية لهذا العام بشكل افتراضي جاء التزاماً بمعايير السلامة والوقاية التي تتبعها وزارة التربية والتعليم، حرصاً على سلامة الطلبة، وبما يضمن لهم تحقيق الاستفادة المثلى من أوقات الإجازات، بما يخدم مسيرتهم التربوية والأكاديمية على أتم وجه، مشيراً إلى أن الوزارة عملت على تطوير برامج متميزة تهدف إلى رعاية واكتشاف الطلبة الموهوبين، وبناء قدراتهم المعرفية.
آفاق واسعة
يقول الطالب محمد اليماحي في الصف الحادي عشر: «مكنني البرنامج من معرفة شغفي الكبير بمجال الرعاية الطبية، وفتح لي آفاقاً واسعة لأتخصص به في المستقبل، وقد استفدت من العديد من المهارات الطبية الأساسية التي لم أكن اعرفها، ويعتبر البرنامج تجربة فريدة يقضي الطلبة من خلاله إجازاتهم الصيفية، ويستفيدون الكثير في مجال الرعاية الصحية، لهم، ولأسرهم، والمجتمع».
وتؤكد الطالبة فاطمة محمد سعيد الشحي، في الصف العاشر، أنها إحدى المشاركات في البرنامج الصحي، وقد استفادت من حصصه الافتراضية، التي عرفتها على مواد مختلفة ومفيدة أثرت في حياتها اليومية، وتعلمت الكثير من الدروس في مجال التمريض، والرعاية الصحية.