يطبق عدد كبير من مدارس الدولة الحكومية والخاصة أسلوب التعلم التعاوني الذي يعرف بأنه استراتيجية تدريس تتمحور حول الطالب، حيث يعمل الطلاب ضمن مجموعات غير متجانسة لتحقيق هدف تعليمي مشترك، بحيث يسمح لهم بالعمل معاً/ والتعاون بفاعلية/ ومساعدة بعضهم بعضاً لرفع مستوى كل طالب منهم لتحقيق الهدف التعليمي المشترك.
ويصلح هذا النوع من التعليم لمختلف المواد الدراسية، ويمكن تطبيقه في جميع المراحل التعليمية، إذا ما توفرت الإمكانات المادية والبشرية وموارد وأجهزة وفصول دراسية مناسبة، من أجل إنجاح هذا الأسلوب في المدارس، وأهمها المعلم الذي يجب أن يعد إعداداً جيداً حيث انه يعتبر حجر الزاوية والعنصر الفاعل في أية عملية تعليمية متميزة.
وتولي وزارة التربية والتعليم اهتماماً بمسؤولية مساعدة الطلاب على متابعة التعلم، والاهتمام بتشجيعهم على الإقبال على الدراسة وعلى أمور حياتهم بأساليب أكثر إبداعاً، حيث وجهت الجهود التربوية إلى أهمية تتبع البيئة في إذكاء روح الابتكار والإبداع والقيادة والتواصل وبناء الثقة، من خلال نموذج «المدرسة الإماراتية» لجعل المجموعات التعليمية مجموعات فاعلة، كما اهتمت بتدريب المعلمين وتطوير مهاراتهم من خلال وضع برامج تدريبية تساهم في ارتقاء المعلم بأدائه وفق المعايير التربوية العالمية، وكذلك توفير البيئة التعليمية بهدف تنمية الإنسان وزيادة الإنتاجية داخل الفصول الدراسية.
«الخليج» بحثت أهمية هذا النوع من التعليم في عدد من المدارس، أشكاله، ومفاهيمه، وسماته، وعناصره، وفوائده، حيث التقت بعدد من التربويين والمهتمين بهذا النوع من التعليم الذين اكدوا على أهميته ودوره في تنمية المهارات التعاونية بين الطلبة والعمل بروح الفريق الواحد.
في البداية قال عمر عبدالعزيز وكيل مدرسة، إنه أصبح من الواضح اليوم أن على المدرسة أن تكون مؤسسة تُعلم وَتَتعلم، فهي تُعلم عندما توفر فرص التعلم للمتعلمين، وَتَتعلم عندما يقوم فيها الإداريون والمعلمون بمتابعة الجديد في مجالهم، أو دراسة ما يواجههم من مشكلات وقضايا ومعالجتها في سبيل تحسين تعلم المتعلمين، مؤكداً على أهمية التعلم التعاوني من قبل المعلمين، لكونه مفهوماً يعتمد على استراتيجية تستهدف تطوير العمل التربوي من خلال تحسين أداء المعلم المهني والقيادي، مشيراً إلى أن التركيز على مفهوم التعلم التعاوني نظريّاً وتطبيقيّاً يساهم في الارتقاء ببرامج النمو المهني للمعلمين، إضافة إلى محاولة ترسيخ اقتناع المعلمين بأهمية ممارسة التعلم التعاوني كمدخل في تطوير أسلوب إدارة الفصل.
ثقافة التعلم
وحول دور البيئة المدرسية والصفية في التشجيع على بناء ثقافة التعلم قالت لطيفة الحوسني مديرة مدرسة: إن النموذج التربوي في مدارسنا يتطلب تعديلاً جوهريا، حيث يوجد في بعض المدارس حتى اليوم نموذج تقليدي يعتمد الدور الرئيسي فيه على المعلم، فيما نحن بحاجة اليوم إلى النموذج المعاصر الذي يكون الدور الرئيسي في التعليم للمتعلم، وهناك مفهوم شامل يسمى بالتعلم النشط الذي يقابله التقييم القائم على الأداء لبلورة الاتجاه المعاصر في التربية واللذان لهما اثر بالغ في بناء ثقافة التعلم.
وقالت إن ربط محتوى التعلم بقضايا المتعلمين ومشكلاتهم وواقعهم يُمَكنهم من مواجهة التحديات التي من الممكن أن تواجههم في حياتهم الواقعية كما انهم يتعودون على استخدام المعرفة في مواقف حياتية حقيقية، مشيرة إلى أن دور المتعلم في التعلم النشط يتغير، فهو مشارك نشط في العملية التعليمية - التعلمية، حيث يقوم بأنشطة عدة تتصل بالمادة المتعلمة، مثل البحث، القراءة، الكتابة، طرح الأسئلة، المناقشة وحل المشكلات، كما أن دور المعلم في التعلم النشط يتغير أيضاً، فيصبح موجهًا ومرشدًا ومسهلاً للعملية التعليمية.
عصف ذهني
نعيمة محمود مديرة مدرسة خاصة قالت انه يمكن تعريف التعلم التعاوني إجرائياً بأنه الأسلوب المتبع من قبل معلم الفصل في استخدام طريقة المجموعات الصغيرة داخل الفصل، وإتاحة فرصة العصف الذهني بين الطلاب في داخل كل مجموعة، حسب موضوع الدرس، مشيرة إلى أن توفير الوسائل التعليمية الحديثة ومنها الحاسب الآلي، أمر مهم لتعزيز هذا النوع من التعليم حيث إنها وسائل تقنية جاذبة للطالب وقد تم إدخالها حالياً في مدارسنا، ويستخدمها أبناؤنا من طلبة الصفوف الدنيا لما لها من تأثير فاعل لشد انتباه الصغار، كما أنها تعطي فرصة للمعلم في تقديم المعلومة بأسلوب سلس وشائق، إضافة إلى أن هذه الوسائل تساعد على تعزيز الفهم وبقاء المعلومة في ذهن الطالب.
وقالت إن إدارة المدرسة دائماً ما توجه المعلمين بضرورة جذب الطالب للتعلم وخلق التفاعل بين الطلبة، حيث عمدت المدرسة إلى توفير مدربين من مؤسسات تعليمية لتدريب معلميها، كما توفدهم في دورات تدريبية إلى بعض المؤسسات لتنمية مهاراتهم في مجال التعليم التعاوني وكيفية استخدام وسائل التقنيات الحديثة في التدريس والتي تعزز هذا النوع من التعليم لطلبة المدرسة.
فرص وأمل
وفي إطار وصف التعلم التعاوني، قالت انتصار علي إن الطلبة يشعرون أحياناً بالعجز أو باليأس، وبالإحباط، وعندما تتهيأ لهم الفرصة ليعملوا مع زملاء لهم ضمن فريق عمل فإن ذلك يفتح لهم نوافذ من الفرص ويعطيهم الأمل، ويجعلهم يشعرون بأنهم أكثر قدرة والتزاماً نحو عملهم، مشيرة إلى أن الطلاب يبدون اهتماماً ببعضهم بعضاً، ويظهرون التزامهم نحو نجاح كل منهم، وهذا يعني أن الموقف التعليمي يصبغ بطابع تعاوني، حيث نراهم يتخذون قراراهم بالإجماع، لافتة إلى أن التعلم التعاوني لا يعني أن يجلس الطلاب جنباً إلى جنب على الطاولة نفسها ليتحدثوا مع بعضهم بعضاً، بل انه ينبغي منهم العمل لإنجاز المهمة المكلف بها كل فرد منهم، وأن على أولئك الذين ينتهون أولاً مساعدة زملائهم الأقل إنجازاً.
بيئة التعلم
وقال حسن الشامسي نائب مدير مدرسة صير بني ياس، إن الفرد في تعلمه يؤثر ويتأثر بالبيئة المحيطة به، خاصة بيئة التعلم، وذلك يتحقق من خلال تعدد جوانب التفاعل المختلفة داخل مجموعات التعلم التعاوني ما يساعد على تحقيق تعلم افضل، مشيراً إلى أن التعلم التعاوني يعتبر بيئة تعلم صفية تتضمن مجموعات صغيرة من الطلاب المتباينين في قدراتهم ينفذون مهام تعليمية، وينشدون المساعدة من بعضهم بعضاً، لافتاً إلى انه ينبغي أن يتعرف المعلمون إلى استراتيجية هذا النوع من التعليم، ويتدربوا على استخداماتها الصفية، لكونها واحدة من الاستراتيجيات التي تساعد الطلاب على زيادة تعلمهم وتواصلهم، واكتسابهم المهارات الاجتماعية اللازمة للنجاح في الحياة، كما انه يؤدي إلى زيادة التحصيل الدراسي والإنتاجية في أداء الطلاب، والتأكيد على العلاقات الإيجابية بينهم، وتحسن الصحة النفسية وتقدير الذات.
عدد من الفوائد
وحول مكاسب التعلم التعاوني تقول شيخة الزعابي مديرة مدرسة، إن هناك عدداً من الفوائد التي ثبت تجريبياً تحققها عند استخدام التعلم التعاوني، منها ارتفاع معدلات تحصيل الطلاب، وكذلك زيادة القدرة على التذكر، وتحسن قدرات التفكير لديهم، وزيادة الحافز الذاتي نحو التعلم ونمو علاقات إيجابية بين الطلاب، إضافة إلى تحسن اتجاهات الطلاب نحو المنهج، والمدرسة وزيادة الثقة بالذات وانخفاض المشكلات السلوكية بين الطلبة، كما انه يعلم الطلاب المهام الأكاديمية إلى جانب المهارات الاجتماعية اللازمة للتعاون مثل مهارات القيادة واتخاذ القرار وبناء الشخصية وإدارة الصراع، حيث أن تعلم هذه المهارات يعتبر ذا أهمية بالغة لنجاح مجموعات التعلم التعاوني.
ثلاثة أنماط
وتفضل معلمة الرياضيات سهيلة الشحي، أن تتضمن مجموعة التعلم طلاباً ذوي قدرات عالية، وطلاباً ذوي قدرات متوسطة، وطلاباً ذوي قدرات منخفضة في الوقت نفسه، حيث إن هذا التنوع في القدرات سوف يتيح مجالاً أوسع للتفاعل بين الطلاب، مشيرةً إلى أن هناك ثلاث بُنى، أو أنماط رئيسية من أساليب التعلم، أولاً التعلم التنافسي، وهنا يعمل الطلاب ضد بعضهم بعضاً، فنجاح أو فشل طالب يتناسب عكسياً مع نجاح، أو فشل طالب آخر، ثانياً التعلم الفردي، وفي هذا النمط من التعلم يعمل الطلاب فرادى بقليل من التفاعل بينهم، أما النمط الثالث من التعلم فهو النمط الأقل شيوعاً «لتعلم التعاوني» الذي يعتمد نجاح، أو فشل الطالب على نجاح أو فشل زملائه.
تفاعل مستمر
وأضافت أن التعليم التعاوني يستند إلى نظريات متعددة، منها نظرية التعلم المعرفي، والتعلم السلوكي، وجميعها عبارة عن منظور نظري ذي أبعاد متنوعة تقود إلى البحث العلمي في التعلم التعاوني، مشيرة إلى اعتماده أيضاً على التعلم الاجتماعي الذي يجعل عمل المتعلمين ديناميكياً ذا تفاعل مستمر، لافتة إلى أن المعلم في هذا النوع من التعليم يلعب دور الموجه لا دور الملقن، وعليه تحديد الأهداف التعليمية وتشكيل المجموعات التعليمية وتعليم الطلاب مهارات العمل في المجموعات الصغيرة.
عوائق
وذكرت عائشة الشامسي مديرة مدرسة عائشة بنت أبي بكر، أن التعلم النشط «التعاوني» يحقق فوائد جمة حيث يحصل المتعلمون خلاله على تعزيزات كافية خلال عملية التعلم.
كما انه يجبرهم على استرجاع معلومات من الذاكرة ربما من أكثر من موضوع، ثم ربطها ببعضها بعضاً، وهذا يشابه المواقف الحقيقية التي سيستخدم فيها المتعلم المعرفة، كما يبين التعلم النشط للمتعلمين قدرتهم على التعلم من دون مساعدة سلطة خارجية، وهذا يعزز ثقتهم بذواتهم والاعتماد على الذات.
ويساعد المتعلمين على تغيير صورة المعلم بأنه المصدر الوحيد للمعرفة، ويتعلمون من خلاله مهارات التفكير العليا، فضلاً عن تعلمهم كيف يعملون مع آخرين يختلفون عنهم، ويتعلمون استراتيجيات التعلم وطرق الحصول على المعرفة.
85 % من المدارس تقوم على أساس تنافسي فردي
أشارت بعض الدراسات ذات العلاقة بواقع التعليم الحالي إلى أن أكثر من 85% من الأعمال التي تتم في المدارس تقوم على أساس تنافسي فردي بين الطلاب، وأن التعاون وبناء المهارات الاجتماعية لا يحظى بالاهتمام اللازم، كما أثبتت دراسات أخرى أن أهم عنصر في فشل الأفراد في أداء وظائفهم لا يعود إلى نقص في قدراتهم ومهاراتهم العلمية، ولكن إلى النقص في مهاراتهم التعاونية والاجتماعية، نتيجة التغيير الحاصل في بيئة العائلة، ومنها العائلة العربية على وجه العموم، والخليجية على وجه الخصوص، من حيث الانتقال من العائلة الكبيرة والمستمرة إلى العائلة الصغيرة التي أصبح لها أثر سلبي في مهارة الطلاب الاجتماعية.
كما أن مقدار الوقت الذي يقضيه الأب مع أطفاله اقل من الأوقات التي يقضيها الأبناء أمام التلفزيون والفيديو والكمبيوتر، أو مع الخادمة، حيث إن الطالب في المرحلة الابتدائية يشاهد التلفزيون 50 ضعف عدد المرات التي يتحدث فيها مع والده.