التعليم شأن مجتمعي.. عبارة كثر سماعها مؤخراً بعد أن دأب المعنيون بالعملية التعليمية على ترديدها على مسامع مختلف أطياف المجتمع، ما يستدعي الوقوف عندها، إذا سلمنا أن العملية التعليمية لا تستوي من دون تضافر جهود الأسرة والمدرسة، حيث يلقى على كاهل الأولى مهمة التنشئة والمتابعة، فيما الثانية مطالبة بتهيئة الجو الدراسي المناسب، وإيصال المعلومة كاملة حتى تكتمل الصورة التعليمية في أذهان طلبتنا، الذين عليهم التحلي بروح المسؤولية والالتزام والنهل من بحر المعرفة.
الطلبة وحدهم من يدفع فاتورة العلاقة الفاترة بين المدرسة والبيت، اللذين تناسيا أن كليهما يكمل الآخر، ويسهم في تفادي المشكلات، فلا مفر من متابعة الأهل تحصيل أبنائهم الدراسي، والقيام بزيارات دورية إلى المدرسة للتأكد من مدى التزامهم بالعملية التعليمية، لتذليل العقبات، فيما الثانية مطالبة بالتعامل مع الطلبة بحزم غير منفر، وبعيداً عن أسلوب الترهيب، ومحاولة توفير بيئة جاذبة.
بعض الإدارات المدرسية تعتبر سبباً رئيسياً في تردي العلاقة مع أولياء الأمور، حيث تفضل الانطواء على نفسها، بحجة العمل بعيداً عن الأضواء، إلى درجة أننا كدنا أن ننسى مجرد وجودها، بعد أن تحول مديروها إلى ما يشبه مرشداً اجتماعياً أو مسيراً ليوم دراسي يأمل أن تنقضي ساعاته دون وقوع مشكلة، ما يستوجب من وزارة التربية والتعليم تحويل بوصلة عملها في المرحلة المقبلة باتجاه الإدارات المدرسية.
من الضرورة العمل للوصول إلى إدارات قيادية، تكون قادرة على مواكبة مسيرة التطوير التي انتهجتها الدولة، فالمدرسة في عصرنا الحديث، تضاءل دورها كثيراً، ولم تصبح المصدر الأوحد للمعرفة، فحقائق التعليم الحديث تشير إلى أنه أصبح بمقدور الطالب استقاء المعلومة والمعرفة عبر سبل عدة في عالم يشهد ثورة معلوماتية، ما يؤكد حقيقة عدم قدرة التعليم على استيعاب متطلبات التنمية دون وجود قيادات شجاعة، يكون لها بصمتها في سير العملية التعليمية، بعد تطويع الجوانب السلبية في عملها.
الوصول إلى الهدف ممكن، وثقتنا بمديري مدارسنا الحكومية كبيرة، والخروج من عباءة الإدارة التقليدية بات لزاماً على مديري مدارسنا، إذ إن تطوير العملية التعليمية دون وجود إدارات مدرسية متميزة يعتبر ضرباً من ضروب المستحيل، وإذا كانت المسألة كذلك، فإن التطوير يحتاج إلى أدوات، ولم يعد مقبولاً أن تمسك وزارة التربية بها، فمدارسنا يفتقد مديروها للصلاحيات، إذ عليهم المراجعة في كل صغيرة وكبيرة، شاردة وواردة، حتى أنهم مغيبون عن دائرة التخطيط التربوي والتوجيه، فلا يتم الأخذ برأيهم عند صنع القرار، بل تسبر آراؤهم، بعد «حريق مالطة».
ولانتزاع هذه الصلاحيات فإن مديري المدارس مطالبون برفع شعار التحدي، والتخلي عن تمسكهم بأدوارهم التقليدية، والانتقال إلى أدوار قيادية، لتغيير نظرة الميدان التربوي عن المدير، الذي يتلخص عمله في عدد كبير من المدارس بالإشراف على طابور الصباح، وعملية انصراف الطلبة، دون الالتفات أو مجرد التفكير بحلول ترتقي بالمستوى التعليمي بين أسوار المدرسة.
pressrabah@hotmail.com