عندما قال الكاتب الكندي مارشال ماكلوهان إن العالم تحول إلى قرية صغيرة بفضل التطور الكبير والهائل في وسائل الاتصال، لم يكن مخطئاً، لأن ما يشهده العالم الآن من تطور حاصل في وسائل الاتصال والتواصل، جعل العالم يعيش كأنه في قرية صغيرة لسهولة التواصل بين البشر. ولكن التطور الذي فرضته التكنولوجيا، وهو ما سماه بالحتمية التكنولوجية، أصبح له مظاهر سلبية، ويؤثّر في الاتصال الجماهيري، بعد أن أصبحت الهواتف النقالة وما تحويه من برامج ملهية عن اللقاءات الشخصية، وهذا ما جعل الناس في تباعد، وأصبح التواصل من خلال الكتابة هو الطاغي.
طالب متخصصون بتوحيد الجهود للتصدي لهذه الظاهرة التي شغلت الشباب عامة والطلاب خاصة عن ممارسة أنشطتهم اليومية ومهاراتهم الاتصالية، حتى لا يقعوا ضحية الانعزال والوحدة عن عالمهم الواقعي، حيث أصبحت نقاشاتهم وأحاديثهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأدت إلى انسحاب الطلاب من المجالس واللقاءات العائلية.
العيش في العالم الافتراضي
قالت هبة عبد الرحمن أخصائية اجتماعية: شهدنا في الآونة الأخيرة تطورات هائلة في شتى أمور الحياة، ومن أكثر التطورات التي أدمنّا وجودها في حياتنا هي تطورات وسائل الاتصال، حيث نجد أن حياة الطلاب أصبحت تتمحور حول كيفية تفعيل (واتس اب، والإنستغرام، وفيس بوك) بحيث أصبحوا يعيشون في عالمهم الافتراضي، و«بكبسة زر» يتم نقل المعلومات والأحاديث فأصبحت وسيلة يتواصل بها الأفراد كتابياً مع اختفاء معالم الإيحاءات والتعبيرات التي أصبحت شبه معدومة، ما أثر في حياة الأشخاص، وانعدام الحوار والنقاش وأصبح التواصل بينهم إلكترونياً.
وأكدت اشتراك الجميع في تنمية مهارات الاتصال بين الطلاب، فالدور تكاملي بين الأسرة والمدرسة، حيث يقضي الطالب أوقاته في البيت أو في المدرسة، لذا على الأهل وإدارة المدرسة متابعة الطلاب واكتشاف ما لديهم من قدرات وتفعيل الطاقات المختزنة في عقولهم وأجسادهم والعمل على اكتسابهم مهارات جديدة.
ويجب على المدارس وضع خطط لبرامج توعوية وتثقيفية أثناء العام الدراسي حتى يصل الطالب للتوازن النفسي والاجتماعي، مع عمل دورات تشجع الطلاب على التعبير عن آرائهم وإبداء ملاحظاتهم، وطرح المشكلات وإيجاد الحلول الإيجابية وتغطيتها على شكل حوار مفتوح، يتم من خلاله نقل الأفكار المختلفة، ما يعمل على تأهيل الطلاب وإعادة حساباتهم من خلال تعديل وتغيير أفكارهم السابقة، حيث تساعد مهارة الاتصال على القدرة على التعبير عن النفس، من خلال التواصل وجهاً لوجه واستخدام لغة الجسد، ونبرة الصوت التي تلعب دوراً مهماً في إيصال المعلومة بالشكل الذي تريده.
وأوضح الدكتور هاشم عبد الله السرحان، باحث في القضايا الاجتماعية: أصبح إدمان مواقع التواصل الاجتماعي أمراً متزايداً يوماً بعد يوم حتى اختفت مهارات التواصل لدى بعض الطلاب، وأصبح الحوار بينهم من خلال غرفة الدردشة أو الإيميلات، ما أحدث طفرة كبرى في العالم بأسره، وأسهم في فقدان الطلاب القدرة على التواصل الاجتماعي الحقيقي مع مجتمعهم والبيئة المحيط بهم.
وأضاف زادت المشكلات والشكاوى من قبل الأمهات والآباء من التغيير السلوكي الذي حدث لأبنائهم، بسبب كثرة التعامل مع هذه الوسائل الحديثة وتمضية معظم أوقاتهم أمام أجهزة التكنولوجيا، ما صعب السيطرة على سلوكاتهم التي تقوقعت حول الأجهزة الإلكترونية الحديثة، فكان لا بد من علاج هذه المشكلة بتنظيم الوقت بين الدراسة واستخدام أجهزة التكنولوجيا، وفتح الحوار الهادف مع الأبناء من خلال تنظيم جلسات عائلية بعيداً عن الأجهزة، ويمكن أن يتفاعل الوالدان مع أنشطة الأبناء، وممارسة بعض الهوايات مع الأصدقاء في الحدائق والنوادي الرياضية التي تعمل على تقوية العلاقات الاجتماعية وتغرس الثقة في نفس الطالب وتنمي الجانب الفكري من خلال الاحتكاك بالعالم الخارجي وجهاً لوجه بعيداً عن شبكات التواصل الاجتماعي.
وأكد أن الأسرة بمفردها لا تستطيع أن توجه سلوك الطالب إلا بالتعاون مع المؤسسات الاجتماعية كالمدارس التي تدعم دور الأسرة في اكتساب الطلاب مهارات جديدة والعمل على تنميتها وتعزيزها من خلال ما تقدمه لهم من خبرات ومناهج، حيث إن المناهج الجديدة تحث على تعليم الطالب بعض المهارات منها مهارة الاتصال والتخاطب، واحترام الآراء بغض النظر عن الاختلاف في وجهات النظر وعدم فرض الرأي الواحد، ومهارة انتقاء المصطلحات والمفردات ونبرة الصوت في التعبير، لما لها من تأثير إيجابي في شخصية وسلوك الطالب.
ضعف المهارات الحياتية والذاتية
أشارت منى شوشان أخصائية نفسية ومرشدة أسرية إلى أن معظم الطلاب في الوقت الراهن أصبحوا اتكاليين في جميع أمور حياتهم، حيث أصبح الأهل هم من يرسمون حياة أبنائهم ومستقبلهم، ويقررون أي الجامعات أو التخصصات سيلتحقون بها، ما أدى إلى ضعف مهاراتهم الحياتية والذاتية وضعف تواصلهم مع العالم الخارجي، ونظراً لأهمية التواصل بين الأفراد والمجتمعات يجب أن ننشئ جيلاً قادراً على وضع أهدافه الخاصة والمستقبلية، وإعداد تخطيط مسبق على المدى القصير والبعيد، فكلما زادت أهداف الإنسان زادت لديه المهارات بمختلف أنواعها وأشكالها، ما يعمل على صقل مهاراته وتقوية شخصيته ويزيد الثقة بنفسه.
وأضافت: تلعب المدرسة الدور الأكبر في تنمية هذه المهارات وغرسها في نفوس الطلبة، من خلال ما تقدمه لهم من معارف وخبرات، حيث تلعب الأنشطة والدورات التي تقيمها المدرسة وتعمل على تفعيل مهارة الإنصات والاستماع والمهارات اللفظية أثناء الحوار، وفتح باب الحوار والنقاش، وحل المشكلات والتفكير الناقد، والتركيز على إتقان فن الإتيكيت مع الناس، فهي من الأمور التي نمارسها بشكل يومي في حياتنا، وإتقان هذه المهارات يسهم في صنع جيل ذي شخصية قيادية، تؤهل أفراده، ليكونوا ضمن قادة المستقبل في كل مجالات العلوم والمعارف.
تفعيل مهارة الوعي الذاتي
من جهته قال يوسف شراب الموجه التربوي والباحث الأول في مركز دعم اتخاذ القرار في شرطة دبي: إن الطالب الذي يتمتع بمهارات الاتصال يستطيع أن يحقق أهدافه بطريقة سلسلة ومختصرة، حيث يكون قادراً على إمساك زمام الأمور بوعي واتزان، ويرجع ذلك إلى التنشئة الصحيحة التي تربى عليها من قبل الأجواء العائلية والبيئة المحيطة به التي تقمصها بكل أريحية وشفافية.
البيت والمدرسة متكاملان
وأكد الدكتور علي الحرجان مختص نفسي، أن المدرسة أداة استكمال بحيث تكمل دور البيت في تربية وتنشئة الأبناء بالشكل السليم، وتعمل على تصحيح بعض العادات الخاطئة التي يمارسونها، كونها البيئة المثالية لإعداد جيل مؤهل تربوياً واجتماعياً، من خلال تنمية المهارات الذاتية والاتصالية لدى الطلبة وتدريبهم على تبادل فن الحوار والنقاش، وتبادل الأفكار والرأي الآخر بطرق إيجابية تسهم في حل المشكلات عل مستوى البيت أو المدرسة أوالمجتمع المحيط بهم، ويتم تطوير هذه المهارات من خلال اللقاءات والبرامج التدريبية والندوات التوعوية التي يشارك فيها الطلبة، فتعمل المدرسة على القضاء على الآفات السلبية التي تقتحم عقول وحياة الطلاب وبيان الآثار السلبية المترتبة على مستقبلهم والعمل على محاربة الظواهر السيئة التي تنتشر في المجتمع، حيث نعرض لهم الطرق الصحيحة لتفعيل استخدام التقنيات الحديثة والمعلوماتية، ومواقع التواصل الاجتماعي وسيلة للارتقاء نحو الأفضل التي تمكنهم من مواكبة التطورات التكنولوجية بصورة صحيحة.
دمج المهارات في العملية التعليمية
وقال الدكتور صلاح عبد الحي مختص تربوي: إن المؤسسة التعليمية هي المسؤولة عن تنمية عملية التواصل بين الطلاب وتطويرها بوجود الكوادر من الخبراء والمختصين والمواد العلمية والمناهج الدراسية، وعلى الأسرة أن تبدي تفاعلها مع المدرسة، بحيث يتكامل دور الطرفين. ولإنجاح عملية التواصل لا بد من توفير الظروف المناسبة للطلاب وتدريبهم على تطوير المهارات الحياتية بإتقان من خلال توظيف معلمين أكفاء بخبرة عالية، وأن يمتلك المعلم المؤهلات العلمية في كيفية إيصال الرسالة باستخدام اللغة السلسة بشكل واضح وسليم، وامتلاك بعض المعززات لمعرفة قدرات الطلاب وظروفهم لفهم ردود أفعالهم ومتطلباتهم.
تنمية وصقل المواهب والمهارات
قالت رفقا سليمان مديرة الاتصال والتسويق في مدرسة العالم الجديد الخاصة: لا شك في أن التعليم في المدارس لا يقتصر على المواد الدراسية التي تفرضها المناهج فقط، بل يتعداها ليشمل اكتساب الطالب للمهارات العالية التي تسهم في تنمية مواهبه وصقل شخصيته. ولتنمية لغة التواصل بين الطلاب أنفسهم، نعمل في مدرسة العالم الجديد الخاصة على ناحيتين هما العلمية التوجيهية والتطبيقية، فمن الناحية العلمية التوجيهية، نقوم من خلال حصص الريادة والإرشاد المهني، بتعريف الطلاب بأصول ومبادئ التواصل في ما بينهم ومع الآخرين، كما أننا نعكف في المدرسة على إقامة محاضرات وورش عمل تتناول موضوع التواصل يقوم بها المشرفون في المدرسة أو ممثلون عن هيئات مختصة من المجتمع المحلي، ولأن العلم يحتاج إلى تطبيق فقد عملت المدرسة على توجيه الطلاب من الناحية التطبيقية من خلال توزيع الطلاب على لجان مختلفة بهدف إشراكهم في التحضير للأنشطة والفعاليات والعمل على مشاريع محددة تخدم المدرسة وتسهم في انخراطهم في المجتمع المدرسي من جهة، وتسمح لهم بمناقشة أفكارهم وآرائهم والتواصل فيما بينهم من جهة أخرى، كما أن إحدى مهام هذه اللجان، تصب في التواصل مع المجتمع الخارجي بهدف تنظيم الفعاليات وإنجاز المشاريع. وهنا يأتي دور المدرسة في توجيه الطلاب إلى كيفية مقاربة هذه الجهات ومخاطبتها وصياغة الرسائل الرسمية وعقد الاجتماعات للتواصل مع هذه الجهات بشكل مناسب وفعال.
وقالت رفقا سليمان: لقد أطلقنا مجلسين للطلاب أحدهما للبنين والآخر للبنات، حيث قام الطلاب بانتخاب ممثلين لينوبوا عنهم أمام الإدارة ويجتمع أعضاء كل من المجلسين فيما بينهم بشكل مستمر لمناقشة أفكارهم واقتراحاتهم، لما فيه مصلحة الطلاب والمدرسة، فضلاً عن متطلبات واقتراحات زملائهم، ويسمح هذا المجلس بتقوية عملية التواصل بين الطلاب ودعم بعضهم بعضاً. كما تجتمع إدارة المدرسة مع أعضاء كل من المجلسين على الأقل مرة كل شهر، بهدف مناقشة جدول الأعمال من جهة، وترك قنوات التواصل مفتوحة بين الطلاب والإدارة والطلاب من جهة أخرى.
نهج علمي لمعالجة الغزو
قال موفق القرعان نائب مدير مدرسة العالم الجديد الخاصة: نؤمن بأهمية العلم باعتباره أحد أهم السبل لبناء شخصية الإنسان وصقل مهاراته، وبالتالي انخراطه في المجتمع والإسهام في إنمائه. ومن هذا المبدأ الذي نعده أساسياً في مسيرتنا، حرصنا كل الحرص على تهيئة أبنائنا الطلاب نفسياً وجسدياً للانخراط بشكل سليم في المجتمع الخارجي.
وأضاف مع غزو وسائل التواصل الاجتماعي للعالم، وسهولة الحصول على خدماتها مع تطور نظم تكنولوجيا المعلومات، عملنا في المدرسة على رسم نهج علمي لمعالجة هذا الغزو والحد من آثاره السلبية على الطلاب وعليه، قمنا باستبيان على عيّنة عشوائية من الطلاب يبين كيفية استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي، وقد أبرز هذا الاستبيان إيجابيات وسلبيات استخدام هذه الوسائل المنتشرة وبناء على نتائجه باشرت المدرسة بالعمل على توعية الطلاب بالجانب السلبي لاستخدام هذه الوسائل عن طريق المحاضرات ومنها هدر الوقت، وكثرة تناقل الشائعات، وعزل الطلاب عن واقع الأسرة، وضعف التحصيل الدراسي لديهم، وعدم احترام المكان والزمان عند استخدامهم لهذه الوسائل. كما عقدنا لقاءات مع أولياء الأمور تناولت سلبيات هذه الظاهرة، وأن منع المدرسة اصطحاب الطالب للهاتف الجوال ليس هو الحل، بل لا بد من تفعيل دور الأسرة لتجنب سلبيات الظاهرة بشكل كبير، وإيماناً بضرورة معالجة هذه الظاهرة من الناحية العلمية، دعت إدارة المدرسة المختصين من المؤسسات المختلفة لتوعية الطلاب بمواقع التواصل الاجتماعي وإيجابياتها وسلبياتها، وغرس القيم الوطنية والدينية عامل أساسي لتجنب أية مساوئ، وحفاظاً على الحرم المدرسي وقدسيته ومكانته الاجتماعية فقد منعت منعاً باتاً اصطحاب الهاتف الجوال مطبقة لائحة سلوك الطلاب.