مع انتشار التطبيقات الذكية بمختلف أشكالها، بدأت تطل على الميدان التربوي في الآونة الأخيرة، ظاهرة انتشار «مجموعات التربح»، التي جعلت من تلك التطبيقات، «أرصفة» لبيع العلم بلا رقابة، ولا حسيب أو رقيب.
البعض منها يسوق الدروس الخصوصية لمعلمين بلا هوية، مقابل 200 درهم شهرياً قيمة الترويج، وبعضهم ينشر مذكرات الطلبة في مختلف مراحل التعليم ولا نعلم مدى حقيقتها؟، والثالث يوفر فرصاً وظيفية للمعلمين والكوادر الإدراية والفنية في المدارس، والرابع تخصص في حل واجبات الطلبة تطوعاً، والخامس يوفر التعليم «أون لاين»، والسادس يرتدي عباءة المدرسة بكل تفاصيلها؛ لكن عبر التعليم عن بُعد.
من خلال رصد «الخليج»، تبين أن تطبيقي «الواتس آب» و«التليجرام» الأكثر شيوعاً بين فئات الميدان، وأن القائم على إدارة تلك المجموعات هو شخص واحد، مع عدد من المساعدين؛ إذ يصعب اللقاء بهم، ودائماً يقومون بتغيير أرقام هواتفهم؛ ليضيعوا الفرصة على من يحاول الوصول إليهم، وليتحكموا في إدارة أكثر من 25 مجموعة على تطبيق «التليجرام»، تضم أكثر من 30 ألف مشارك، فيما اتسمت مجموعات «الواتس آب» بإدارة أكثر من مدير، يحرصون على غلق المجموعات لينشروا ما يريدون، ولم يتركوا لأحد فرصة المشاركة أو الاستفسار.
ممنوعات ومحظورات
الغريب في تلك الظاهرة، أن أصحابها منحوا لأنفسهم الحق في وضع قوانين وضوابط لا نعلم مدى ارتباطها بقوانين وضوابط الدولة في هذا الخصوص، وعلى جميع المشاركين الالتزام بها، والأغرب أنها ترتكز على العشوائية، ودائماً ما تسطر قائمة الممنوعات والمحظورات، بحسب الحالة المزاجية لمن يدير الجروبات.
أخذنا تفاقم الظاهرة إلى جانب عدد من التربويين وأولياء الأمور، إلى عدة تساؤلات مهمة؛ أبرزها «من الرقيب على تلك المجموعات؟ ومن يضمن لنا ولأبنائنا سلامة المحتوى الذي يتم تداوله؟ وكيف نتأكد من أن المعلمين الذين يتم الترويج لهم ينتمون حقاً لسلك التدريس؟ والمذكرات وحلول الواجبات هي التي يدرسها أبناؤنا؟ لاسيما أن الامتحانات لم تسلم من شر تلك المجموعات، وعانى الميدان حالات تسريب متنوعة ومتوالية بسببها؟ ومن منح لمديري تلك المجموعات حق النشر ووضع اللوائح والقوانين لإدارة مجموعاتهم؟
كثيرة ومتنوعة
التربويون عاطف حسن، منى الأحمدي، وعلياء ناصر، وريبال غسان، وسارة عبدالله، واعتدال يوسف، وخالد عبد الحميد يرون أن المجموعات التي تركز على التعليم من خلال التطبيقات الذكية، تثير الجدل؛ نظراً لكثرتها وتنوعها واختلاف أهدافها، ومسمياتها، موضحين أن خطورة تواجدها يكمن في العشوائية التي تدار بها، فضلاً عن المحتوى الذي يتم تداوله، والأعداد الكبيرة التي تلتف حولها من المعلمين والطلبة وأولياء الأمور.
وقالوا ل«الخليج»: «على الرغم من أن تلك المجموعات لعبت دوراً مهماً في التواصل بين إدارات المدارس وأولياء الأمور، وأسهمت في ردم الفجوة بينهما، إلا أنها تعمل وفق ضوابط وآليات عشوائية يتحكم فيها أشخاص أكثر عشوائية، وتركز اهتماماتهم على الترويج وتحقيق الأرباح من لا شيء».
وطالبوا بضرورة توفير رقابة على تلك التطبيقات والمجموعات التي تتبعها، على أن يكون هنا جهة مسؤولة عن مراقبة ما يتم تداوله عليها، ومعرفة من القائم على إداراتها، وهل هو مؤهل لإدارة المحتوى من عدمه، فضلاً عن ضرورة التأكد من هويته واتجاهاته الفكرية وأهدافه حتى لا نصطدم بأبناء منحرفين، أو آخرين يغردون خارج السرب.
المحتوى التعليمي
أولياء الأمور سارة مصطفى، ومحمد شوقي، وإيهاب زيادة، وهيثم محمود، وعلياء عبدالله، وميثاء حمد أكدوا أنهم يتلقون عدداً من الرسائل؛ للانضمام إلى تلك المجموعات، ولا يعلمون من أين حصل مدير المجموعة على أرقام هواتفهم؛ لكن ما يثر اهتمامهم يكمن في المحتوى التعليمي الذي قد يفيد أبناءهم، الأمر الذي يجعلهم يقبلون الانضمام وبدون تفكير.
وحول مضمون وهدف كل مجموعة، أفادوا بأنها مختلفة في المضمون والهدف، لاسيما على تطبيقي «الواتس آب»، و«التليجرام»، فهناك «مجموعة» تسوق لإعلانات الدروس الخصوصية للمعلمين في مختلف المواد الدراسية، وأخرى لنشر الدروس وحل الواجبات وأوراق العمل، وثالثة لوظائف المعلمين واحتياجات المدارس، ورابعة للتعليم عن بُعد، وخامسة لتوصيل التعليم إلى المنازل، وهناك بعض المجموعات يتداول فيها امتحانات نهاية العام والامتحانات الفصلية.
وحول القوانين أو الضوابط التي يلتزمون بها، أكدوا أن هذا الجانب يتحكم القائمون على إدارة المجموعة به بحسب رؤيتهم وأهدافهم؛ إذ يستطيع القائم على المجموعة أن يضيف ويحذف ويحظر وفق أهوائه، بلا رقيب أو حسيب، معتبرين أن هذا في مجمله ليس مشكلة، ولكن المشكلة الحقيقية في المحتوى الذي يتم تداوله، وهل هو صادق ومفيد لأبنائهم أم لا؟
مجموعة خدمية
«الخليج» التقت مع أحد مديري تلك المجموعات فضل عدم ذكر اسمه؛ حيث أفاد بأن تطبيق «الواتس آب» أتاح له فرصة تكوين مجموعة، تضم المهتمين بوظائف المعلمين والإداريين في مختلف التخصصات، موضحاً أنها مجموعة خدمية، وليست ربحية كما يعتقد البعض، ونفى تحصيل أي مبالغ مالية من أي عضو في المجموعة.
وحول آليات وضوابط إدارة المجموعة، قال: إنها ضرورة حتى لا تصبح فوضى، فلا يحق لأي شخص نشر أي محتوى إلا بمعرفة مدير المجموعة، في وقت تحفظ على الإجابة عن سؤال حول مدى أحقيته في تكوين مجموعة تعليمية، وتداول محتوى تعليمي، ووضع ضوابط وقوانين لا تنتمي لأي جهة مسؤولة، ومن منحه حق البحث عن الوظائف للمعلمين والإداريين في المدارس؟
الجانب المظلم
وهنا يظهر لنا جانب مظلم في تلك القضية، ألا وهو لماذا يعمل مديرو تلك المجموعات من وراء الستار؟ ولماذا لم تكن هناك جهة مختصة بالتطبيقات الذكية وإدارتها، لوضع منهجية واضحة، لإدارة المجموعات التي باتت فوضى تثير القلق والريبة بين مختلف الفئات في المجتمع؟
شهري وفصلي وسنوي
صنفت بعض المجموعات على «التليجرام» الاشتراك بثلاث فئات؛ هي: شهري وفصلي وسنوي؛ حيث تبلغ قيمة الاشتراك السنوي ما بين 15 - 20 ألف درهم، للنشر في 110 مجموعات، تضم أكثر من 50 ألف عضو، ويمكنك الحصول على نسبة «عمولة» في حال مساهمتك في تسويقها.
أكبر مروج
حاولنا التواصل مع أكبر مروجي المجموعات على تطبيق «التليجرام»؛ إذ يدير أكثر من 110 مجموعات، جميعها خاصة بالتعليم، ويلتف حوله أكثر من 35 ألف مشارك، فهناك مجموعة «المدرسة الإماراتية» و«طلبة الثاني عشر» و«لطلبة النخبة» و«للمعلمين والدروس الخصوصية»، و«مدرسي الرياضات».
وعند سؤاله حول ماهية تلك المجموعات وأهميتها، تحفظ عن الإجابة، ورفض إيضاح أسباب تحصيله مبالغ مالية تصل إلى 250 درهماً شهرياً، مقابل نشر إعلان الدروس الخصوصية لكل معلم؟ ولم يجب أيضاً عن مدى معرفته بالمحتوى التعليمي والوثوق فيه قبل التداول.