في خضم أزمة فيروس «كورونا» التي تعصف بالعالم برمته في الوقت الراهن، ظهرت ثمة جوانب إيجابية، عززت من روح المسؤولية والتضامن بين أفراد المجتمع، وتحولت أساليب عيش الإنسان وأنظمته الحياتية بكل ما تحويه من أنماط تتصل بكينونته وطرق التعايش معها والتعاطي من خلالها.
تغيرات وتبدلات حدثت؛ جرّاء هذه الجائحة قلبت الكثير من المفاهيم والموازين، وعززت العديد من القواعد والممارسات على كافة الصُّعد الاجتماعية والعملية والأسرية، ونخص بالذكر ما طرأ على حياة الأبناء من تحولات جذرية بدلت لديهم الكثير من الحسابات والعادات، وعرّفت الأسرة إلى أسس التربية وقواعد التعامل الخلاق معهم، ليس على صعيد التعليم فقط أو على صعيد التنمية لديهم؛ بل الأهم من ذلك هو احتواؤهم والإحساس بهم، وبما تغير عليهم، وبما افتقدوه من أمور كانت تشكل أساساً في نموهم المعرفي والجسدي والنفسي والسلوكي.
عدد من التربويين أكدوا ل«الخليج» أن «كورونا» غيّرت الكثير من السلوكات التي كنا نراها سلبية قبل الأزمة منها: الغياب المتكرر وإهمال الواجبات الدراسية، مشيرين إلى أن البقاء في المنزل أصبح فرصة للعودة إلى حضن العائلة، وتعديل السلوكات الخاطئة للأبناء، وتعزيز الإيجابي منها، والاستثمار في تحسين العلاقة الإيجابية مع الأبناء. وقالوا: إن منظومة التعلم عن بُعد في ظل «كورونا» حققت الكثير من الإيجابيات لعل أهمها قدرة النظام التعليمي في الدولة على التأقلم مع الظروف والمتغيرات المستجدة، وتفعيل المنصات الإلكترونية بشكل أوسع؛ لتشمل الدروس والمحاضرات، وتحقيق التفاعل بين الطالب والمعلم، إضافة إلى تنمية مهارات الطلاب التقنية بصورة أكثر فاعلية، فما لم يكن مفهوماً قبل أسابيع، أو كان مجرد مصطلحات تقنية غير مفهومة بات اليوم جزءاً من حياة الأسرة اليومية.
تحولات جذرية
تحولات جذرية يعيشها اليوم كل بيت بفعل جائحة «كورونا»، غيّرت عادات كثيرة تعود عليها الأبناء؛ حيث يقول صالح الجرمي الخبير التربوي: إن الأبناء تعودوا في السابق على الاستيقاظ المبكر، وتناول طعام إفطارهم في ساعة محددة، ودأبوا على ترتيب كتبهم وأدواتهم وحقائبهم، لينطلقوا بعد ذلك كل صباح، فيلتقوا بزملاء دربهم في الحافلة ثم في المدرسة، يملؤون حياتهم من خلال هذا الجهد همةً ونشاطاً، ويستنشقون من خلال رحلتهم عبير عبق رائحة الصباح الباكر الذي يملأ الأفق أملاً وشوقاً لمقاعد دراستهم في المدرسة ولقاء زملائهم ومعلميهم. هؤلاء الأبناء اعتادوا إبراز مواهبهم في شتى أفرع النشاطات المدرسية؛ لينالوا الاستحسان من معلميهم وآبائهم وأصدقائهم، ليجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها ضمن قيود الظرف الراهن الذي فرض عليهم البقاء في البيت؛ بُغية تجنب الأسوأ.
ويتابع: ان الطلبة الذين كانوا من خلال لقاءاتهم المدرسية يبرمون الاتفاقات والصفقات سوياً للقاء في ما بعد المدرسة؛ لممارسة ألعابهم وهواياتهم، أصبح كل ذلك من الماضي في غمضة عين؛ حيث افتقدوا الكثير من طفولتهم وسليقتهم الآمنة، التي فطروا عليها منذ نعومة أظفارهم.
البيت كمؤسسة اجتماعية تربوية حريٌ به أن يلعب دوره المنوط به في هذا الوقت الذي نعيشه؛ من خلال توفير ولو الحد الأدنى من تلك الحاجات وتلك الأنشطة التي افتقدها هؤلاء الأبناء، وقبل كل ذلك غرس روح الأمن والأمان في نفوسهم وترويضهم بما يتفق وروح المرحلة التي نعيشها ويعيشها الجميع، وهذا بالطبع يتطلب أسرة واعية بأسس تربية الأبناء وقواعد التعامل الخلاق معهم، ليس على صعيد التعليم فقط أوعلى صعيد التنمية لديهم؛ بل الأهم من ذلك هو احتواؤهم والإحساس بهم.
تجربة التعلم عن بُعد ساهمت إلى حد كبير في تغيير سلوكات الطلبة، يقول عمرعبد العزيز، مدير مدرسة حكومية: كنت أحد المتخوفين من خوض هذه التجربة، ولكن ما شاهدته وعايشته أذهلني، فمستوى الوعي التقني لدى أبنائنا مرتفع جداً، يدفعه الإحساس بالمسؤولية، فالكل أصبح يدرك حجم المسؤولية المُلقاة عليه، وأصبح الاستعداد الجيد عادة يومية للطالب وأسرته.
إن تكاتف جميع أطراف العملية التربوية والتعليمية؛ حقق نجاحات هائلة ومذهلة، وأصبح الطلاب الذين كانوا سابقاً يحضرون إلى المدرسة على مضض، من أكثر الطلاب حرصاً على الحضور والالتزام والتفاعل بإيجابية.
وتجربة التعلم عن بُعد في ظل أزمة «كورونا» نجحت في تعديل سلوك أغلب الطلاب للأفضل، فأدوات التعليم هي أصلاً مبتغاهم وعالمهم الافتراضي، الذي يجيدون التعامل معه، على الرغم من بعض التجاوزات لعدد من الطلبة وهم قلة، إلا أن اللوائح السلوكية الإلكترونية لهم بالمرصاد، فوجودهم في المنزل تحت إشراف ورقابة أولياء أمورهم ترك أثراً إيجابياً في تعديل سلوكهم وحرصهم على التعلم.
تعديل السلوك السلبي
منظومة التعلم عن بُعد غيّرت الكثير من المفاهيم والقواعد في المجال التربوي والتعليمي، هذا ما يؤكده خالد السعيدي مدير مدرسة ثانوية الذي أشار إلى أن الأزمة أثرت في الكثير من المناشط الاقتصادية والسياسية في الدولة؛ لكنها لم تؤثر في التعليم، الذي استمر في دوره؛ بفضل القرارات الحكيمة للقيادة الرشيدة وتذليلها كل التحديات التي تعترض طريق نجاح العملية التعليمية، وبالفعل نجحت الدولة نجاحاً باهراً في أنها استطاعت إيصال التعليم إلى كل بيت. إن أزمة «كورونا» غيّرت من السلوكات السلبية للطلبة، فالمشاكل بين الطلبة التي كنا نلمسها في المدارس قلت إلى حد كبير.
والتخطيط الذي قامت به وزارة التربية والتعليم نجح نجاحاً حقيقياً، ووصلت المدارس بكادرها التعلميمي والتربوي إلى كل بيت من خلال منصة التعلم عن بُعد، صحيح أنه ظهرت بعض السلوكات السلبية لدى الطلبة في بداية إطلاق المنظومة، ولكن تمت السيطرة عليها، وأصبح الطالب أكثر وعياً وإدراكاً لأهمية الوقوف والمساندة للإجراءات الاحترازية للدولة في ظل هذه الجائحة، منتظماً بشكل أكثر في تلقي الدروس الافتراضية، وهذا ما لمسناه من ارتفاع في نسبة الحضور، كما تحولت المدارس جميعها إلى مدارس ذكية تتعامل من خلال المنصات الافتراضية.
وحول موضوع السهر في شهر رمضان وأثره في الطالب، يقول عمر مبارك الجنيبي، اختصاصي اجتماعي: إن رمضان لم يؤثر في سير عملية التعلم عن بُعد، خاصة وأن وزارة التربية والتعليم راعت الأمر من خلال تنسيق الجداول المدرسية.
دروس خصوصية
وعن اختفاء ظاهرة الدروس الخصوصية في هذه الفترة، يؤكد حسن الشامسي، وكيل مدرسة حمزة بن عبدالمطلب، أن الوزارة دائماً توصي بالابتعاد عن الدروس الخصوصية، مشيراً إلى أن الطالب لا يحتاج إلى هذه الدروس، خاصة بعد حصوله عليها من خلال برنامج lms وأصبح اليوم يعتمد على التقنية وبإمكانه الدخول إلى هذا البرنامج بسهولة والحصول على الدروس الافتراضية وكذلك الدخول إلى برنامج «الديوان» للحصول على المناهج الدراسية.
صحة وغذاء
ويشير معلم التربية الرياضية حسام عبد المجيد إلى أن من أبرز التغيرات السلوكية للطالب، استفادته إلى حد كبير من حصص التربية الرياضية التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم حرصاً منها على سلامة الطلبة وتعزيز الوعي الرياضي والثقافي للأبناء، كما اهتمت الوزارة أيضاً ليس بالجانب الرياضي فقط؛ بل أيضاً بالجانب الصحي والغذائي للطلبة وأوصت بتوعية الطلبة من خلال مادة العلوم الصحية بأهمية الغذاء الصحي، وهناك توازن بين الرياضة والغذاء.
تحمل المسؤولية
وحول ماذا أضافت أزمة «كورونا» لأبنائنا الطلبة، يقول خالد المنصوري استشاري تربوي وأسري: إن الأزمة أضافت الكثير للأبناء؛ حيث عززت من مسؤولياتهم، وروح التحدي والإصرار وإثبات الذات والاعتماد عليها والثقة بالنفس، كما عززت من دور أولياء الأمور في متابعة أبنائهم، وأعطت المجتمع والدولة رسالة واضحة أن أبناءها بإمكانهم تحمل المسؤولية في أشد الأزمات، وأحلك الظروف، فالدولة أسست لجيل واع وواعد، جيل تواق لرد الجميل لقيادته ووطنه.